تقارير

نيويورک تايمز: کيف نفذ المهاجمون اعتداءات باريس؟

 

21/3/2016

 

مسؤول فرنسي: الإرهابيون يحاولون ويفشلون ثم يتعلمون ليحاولوا مجددًا ولديهم صبر.. وجيش من الانتحاريين
لم يتوقف إطلاق النار، وکل من استطاع الفرار أطلق ساقيه للريح لينجو بنفسه. وسط کل هذا الضجيج دخل شخص باريس ليکون قريبا من مشاهد الموت.

ففي 13 نوفمبر (تشرين الثاني) وبعد العاشرة مساء بقليل، أوقف عبد الحميد أباعود سيارته المؤجرة، التي استخدمها في الهروب، في ضاحية مونتريل شرق العاصمة وترک خلفه بندقيته الآلية «کلاشنيکوف» التي يعتقد أنه استخدمها في إطلاق النار علی رواد المطعم بوسط باريس قبل ذلک بنصف ساعة. غير مبال بکاميرات المراقبة التي سجلت تحرکاته، استقل عبود مترو الأنفاق، الخط رقم 9، ليعود للجانب المحاصر من العاصمة. وقبل انقشاع ظلمة الليل، أفاد المحققون أنه مر علی المقاهي المحطمة وقاعة الحفلات التي کانت من بين أهدافه.

بعد عام من نشر الرعب في أوروبا لم يشهد سوی أربع محاولات فاشلة، کان عبود علی يقين من أن هذه المحاولة مختلفة عن سابقاتها. فقد وجد هذه المرة بنفسه في مسرح الأحداث ولم يکتف بالإدارة عن بعد، ففي هذه المرة کان يرصد فريقه من القتلة، الفريق الذي تألف من أصدقاء قدامی ومتعصبين جدد. أفاد المحققون أنه أعد لموجة ثانية من الاعتداءات بعد الأولي بأيام وأنه خطط للقيام بعملية انتحارية بتفجير نفسه في حي الأعمال بقلب العاصمة باريس.

تحول أباعود (28 عاما) بلجيکي الجنسية، من جندي مشاة إلی ملازم في جيش تنظيم داعش، وکان تحت ضغط متزايد لتنفيذ عمل کبير، بحسب مسؤولي استخبارات غربيين. قال لويس کابريولي، النائب السابق لرئيس وحدة مکافحة الإرهاب الفرنسية، إن «کل العمليات التي تمت في 2015 انتهت بفشل ذريع»، لکن هذه المرة «کان مصرا علی التأکد من نجاح العملية».

وبعد مرور أسبوعين علی الهجمات، وبعد ما دفنت فرنسا ضحاياها وأعدت قائمة مطولة بالمشتبهين من شرکاء أباعود، ظهرت أدلة جديدة عن قيام مجموعة من تسعة مسلحين علی الأقل مشتبهين في تنفيذ الاعتداءات، وأدلة عن وجود ثغرات أمنية واستخباراتية ساعدتهم علی تنفيذ خطتهم.

کيف تسلل أباعود الذي خطط لهجمات الثالث عشر من نوفمبر بباريس من بين أيدي السلطات في أوروبا والشرق الأوسط رغم کونه مدرجا علی قائمة المراقبة في بلجيکا.

کان هناک کثير من الدلائل عن نياتهم وعن جهودهم لتنمية مهاراتهم حسبما أظهرت کثير من المقابلات الشخصية، ووثائق المحاکم وما کشفت عنه الحکومات. وعلی الرغم من تزايد التحذيرات في دوائر مکافحة الإرهاب الفرنسية عن التهديد الذي يمثلونه، عجزت الأجهزة الأمنية المثقلة بالأعباء والتي تعاني من نقص الاستعداد عن مواجهة عدو متمرس علی ما أطلق عليه المسؤولون «إرهاب النيشان»، أي تحديد أهداف مميتة متعددة ثم استهدافها عن بعد مرارا وتکرارا إلی أن يصاب الهدف.

في يناير (کانون الثاني) الماضي قامت الشرطة بالهجوم علي بيت بمدينة فرفيرز البلجيکية وأحبطت خطة تمهد لجرائم القتل التي حدثت في العاصمة الفرنسية بعد ذلک بعشرة شهور. کشف الهجوم عن ترسانة أسلحة تضمنت نفس الخامات المستخدمة في صناعة المتفجرات في هجمات باريس، حسب وثيقة استخباراتية أميرکية.

قال مسؤول استخباراتي إن المسلحين أصبحوا «أکثر احترافية بعدما تعلموا من أخطائهم. ففي بداية العام الحالي خطط أباعود لشن هجوم علی کنيسة فرنسية وقتل أعداد کبيرة من المصليين بداخلها، لکن العملية فشلت بعد أن أطلق النار علی ساقه بالخطأ. لکن في عملية باريس الأخيرة خاض غالبية المسلحين تجربة الحرب في سوريا وأصبحوا أکثر تمرسا. وبعدما کشفت المکالمات الهاتفية عن خطة فيرفيرز، شرع عبود في استخدام تکنولوجيا التشفير، وربما أخفی اتصالاته مع فريق عمله بباريس، وفق مسؤولي الاستخبارات.

استغل أباعود المناطق التي لا تستخدم جوازات السفر فيها في أوروبا والنقص في تبادل المعلومات بين بعض الدول وأخذ في التنقل مع فريقه، ليس فقط داخل القارة الأوروبية لکن توجهوا إلی سوريا ذهابا وإيابا. فعلوا کل ذلک علی الرغم من الاستجوابات في المطارات ورغم العلامات التي وضعتها الجهات الأمنية إلی جوار أسمائهم ورغم توقيفهم في النقاط المرورية المعتادة. ورغم إدراج اسم أباعود في قاعدة البيانات بجميع الدول الأوروبية، فإنه عاد إلی أوروبا وکأنه يرتاد ناديه المعتاد»، بحسب أم متطرف بلجيکي قتل في سن الثامنة عشرة بداية العام الحالي بعد انضمامه لنفس کتيبة «داعش» التي ينتمي إليها کثير من منفذي تفجيرات باريس.

تعتبر هجمات باريس الأکثر دموية في أوروبا کلها خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث قتل فيها 130 شخصًا لتهز أرجاء المنطقة، وأجبرت الهجمات بروکسل إغلاق مطاراتها لأربعة أيام متواصلة، واضطرت ألمانيا لأن تؤجل مباراة في کرة القدم، وبريطانيا لأن ترفع ميزانيتها العسکرية بعد سنوات من الترشيد في النفقات العسکرية.

وفی محاولة لطمأنة الناس تعهد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بإلحاق الهزيمة بجماعة الموت، في إشارة إلی تنظيم داعش، بيد أن مسؤولي الاستخبارات حذروا من سهولة اختراق أوروبا، ويُخشی أن تکون تلک العمليات نذيرا بالمزيد من الهجمات الإرهابية في شوارع العواصم الأوروبية في السنوات المقبلة.

أفاد مسؤول فرنسي طلب عدم ذکر اسمه بأن هؤلاء الإرهابيون «يحاولون، ويفشلون، ثم يتعلمون ليحاولوا مجددا»، مضيفًا أن «لديهم صبر ولديهم جيش من التواقين للشهادة، جيش يتغذی علی آيديولوجية محصنة من الرصاص».

وکشفت تقارير صحافيه أن مسؤولا بالبوليس الأوروبي «يوروبول» قام بزيارة عاجلة إلی اليونان للمطالبة بالمساعدة في تعقب البلجيکي عبد الحميد أباعود. وعلی مدی شهور، استمر المحققون في تعقب مکالمات هاتفية مريبة صادرة من مدينة بنغراتي القريبة من أثينا، وفق مسسؤول أوروبي متقاعد سرد التفاصيل.

اتضح أن أباعود، 27 عاما حينها، کان يخطط لشن هجوم علی بلده الأم، وهي الاحتمالية التي لم تکن واردة الحدوث في البداية. کان عبود يبدو کغيره من الشباب الأوروبيين ممن انضموا لـ«داعش»؛ شاب متعصب أطلق تهديدات دموية عبر الإنترنت، لکنه لم يکن يمتلک خبرة التنفيذ أو الشبکة التي تساعده في تنفيذ مجزرة في الأراضي الأوروبية.

کشفت وثيقة صادرة عن وحدة الاستخبارات الأمنية بوزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة أنه بعد رصد المکالمات الهاتفية الصادرة إلی مدينة فيرفيرز البلجيکية، نفذ فريق من القوات الخاصة «سوات» هجوما علی منزل في 15 يناير (کانون الثاني) الماضي ليعثر علی أدلة متقدمة، حيث عثرت الشرطة علی بنادق آلية، ومبالغ کبيرة من المال، وکاميرا تثبت علی الجسم، وکثير من الهواتف المحمولة، وأجهزة لاسلکي، وأوراق ثبوتية مزورة.

عثر الفريق کذلک علی المواد الکيميائية الخام التي يصنع منها مواد الترارسيتون، والترايبکوکسيد، أو ما يسمی بالـ«تي إيه تي بي»، وفق الوثيقة، وهی نفس المواد التي استخدمت في صنع الأحزمة الناسفة في تفجيرات باريس. أکد کلود مونکيت، الذي عمل بوحدة مکافحة التجسس الفرنسية لعقدين کاملين، أن تلک المواد شديدة الانفجار وأنه لو أنک لم تتعامل معها بشکل صحيح فقد تفقد يديک، أو لن يحدث الانفجار من الأساس، مضيفًا أن «هذا يعني وجود خبير في صناعة المتفجرات بالمکان».

کان الاکتشاف سببا لبدء مطاردة في اليونان لکن حدث أن توقفت شريحة الهاتف المحمول الخاص بعبود عن العمل بعد الهجوم مباشرة، وعثرت الشرطة علی الحامض النووي «دي إن إيه» لعبود في شقة بالعاصمة أثينا، حسب تقارير إخبارية، لکن المحققين فقدوا أثره.

بعد ذلک بثلاثة أسابيع، ظهر عبود في مجلة «داعش» الإلکترونية يتفاخر بتخطيطه لعمليات إرهابية رغم أنف السلطات الأوروبية. «اسمي وصوري کانوا في کل نشرات الأخبار، ورغم ذلک استطعت البقاء علی أراضيهم والتخطيط لعمليات ضدهم وغادرت في أمان»، وفق عبود.

حتی ذلک الحين، بحسب ديفيد طومسون مؤلف کتاب عن المتطرفين الفرنسيين، لم يکن هناک ما يميز أباعود داخل صفوف «داعش»، فقد «کانوا يتحدثون عنه کما يتحدثون عن غيره، وليس کشخص مهم».

لو أن هناک ما يميزه فهو مقاطع «داعش» المصورة المنفرة التي ظهر فيها يهتف ويضحک بينما يجر جثثًا خلف سيارة دفع رباعي يقودها.


 «نيويورک تايمز»

زر الذهاب إلى الأعلى