العالم العربي

عام علی احتلال حلب.. و”راجعين يا هوا” صامدة


 
16/12/2017

تصادف اليوم الذکری السنوية الأولی لإعادة احتلال نظام الأسد مدينة حلب کبری مدن الشمال السوري، وقيامه بجريمة تهجير آلاف المدنيين من منازلهم في الأحياء الشرقية نحو الريف الغربي، بعد حملة عسکرية وحشية مدعومة من روسيا وإيران، تسببت بدمار معظم تلک الأحياء.
هذا الحدث شکل صدمة کبيرة في وجدان الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد، ونکسة غير مسبوقة في مجريات الثورة السورية، نظرا لما تمتلکه المدينة من أهمية استراتيجية عسکريا واقتصاديا، سيما أن نظام الأسد راهن عليها منذ بدء المظاهرات السلمية بأنها تقف في صفه ليتلقی فيما بعد منها صفعة کبيرة بخروجها عن طاعته نصرة للشعب السوري في باقي المدن.
ومع التطورات الميدانية شکلت حلب المعقل الأهم لفصائل الجيش الحر، التي تمکنت من السيطرة في صيف 2012 علی معظم الأحياء الشرقية وبعض الأحياء الغربية في المدينة.
وبعد أکثر من أربع سنوات من سيطرة المعارضة، تمکن نظام الأسد مدعوما بقوی عسکرية کبری کروسيا وإيران من إطباق الحصار علی المدينة وفرض سياسة التجويع في عام 2016 قبل أن يجتاح المدينة نهاية العام ذاته ويرتکب جرائم بشعة شکلت مأساة لن تمحی من ذاکرة الحلبيين.
“مجاهد أبو الجود” الناشط والمصور الإعلامي الذي وثّق بعدسة کاميرته الساعات الأخيرة الحاسمة في مدينة حلب، قال لبلدي نيوز: “الأيام الأخيرة التي عشتها في مدينة حلب کانت صعبة للغاية، صعبة لأنني کنت علی يقين أنها الأخيرة، وذلک لما فعلته صواريخ الأسد بأجساد المدنيين داخل المدينة والصمت الدولي إزاء ماحل بنا”.
ويضيف أبو الجود “حاولت إخراج أکبر قدر ممکن من الذکريات معي لخارجها، لأنني لست علی علم متی سأعود إليها ثانيةً، کمصور حاولت أن أوثق کل ما أستطيع رؤيته من الشوارع والأحياء اللي ترعرعت فيها، لکن للأسف لم أستطيع أن آخذ معي ذکريات مادية من حلب، سوی کاميرتي الخاصة والصور والمقاطع المرئية التي صورتها داخل حلب.. هؤلاء ذکرياتي اليوم”.
ويتابع أبو الجود بحرقة “أجمل ما أخذته معي هو علم الثورة السورية والذي صنع في حلب.. ذاک العلم سأبقی أقول أنه صنع في مدينتي حلب التي هجرت منها قسرا”.
وحول لحظات التهجير نحو الريف الغربي، قال أبو الجود “خرجنا من المدينة بخير وسلامة وخرج معي من السکان الذين بقوا علی قيد الحياة، وهو الربح الأکبر الذي بقي بعد حلب، لکن مع ذلک، هذا الربح تحقق علی حساب الفراق والبعد عن الوطن والأرض والتراب وهو أغلی ما کنا نملکه، فالمعادلة للأسف کانت جدا صعبة، إما الموت علی أرضک أو البقاء حياً خارجها”.
راجعين يا هوا
في لحظات الألم والخوف.. خط شاب وزوجته من قلب حصار حلب عبارة علی جدار في حي السکري وهي “راجعين ياهوا” في إشارة إلی العودة يوما ما إلی حلب بعد التهجير، لتصبح هذه الصورة الأکثر تداولا بين نشطاء الثورة علی مواقع التواصل الاجتماعي وتنتشر علی کبريات الصحف العربية والعالمية لتلخص حالة التهجير.
تقول “مروی طالب” الفتاة التي ظهرت هي وزوجها في الصورة لبلدي نيوز “أصعب شعور مر علي أنا وزوجي عندما علمنا أننا سنخرج من مدينة حلب، فقد کان مزيجا من الخوف وألم الفراق.. کان شعورا قاسيا أن تخرج من مدينتک التي عشت فيها طفولتک وأيام شبابک”.
وتضيف مروی “أصعب معاناة عشتها داخل المدينة عندما بدأت الناس بالخروج من المعابر الإنسانية، وبدأت حينها قوات النظام بضرب المصابين أثناء خروجهم، معاناة أخری وهي الأصعب أثناء قيام قوات النظام بإلغاء الاتفاق والبدء من جديد بقصف أحياء المدينة”.
“صالح أبو قصي” وهو زوج مروی وظهر معها في الصورة، قال لبلدي نيوز “تلک الجملة کتبتها علی جدار نصف مهدّم، بتاريخ 15 کانون الأول 2016 وعلی أحد جدران منطقة السکري، والتي کانت في تلک اللحظة آخر مناطق سيطرة الثوار في حلب”.
وأضاف أبو قصي “بعد إعلان الهدنة وتوقف القصف قررنا أنا وزوجتي الخروج في نزهة بعد أيام طويلة في المنزل تفادياً لصواريخ روسيا والأسد، وکان معي علبة (دهان بخاخ)، قررت أنا ومروی أن نترک شيئاً علی جدران مدينتنا قبل الرحيل.. فکتبت (راجعين) وأضافت زوجتي (يا هوا) وعلی جدار آخر کتبت لها: (إلی من شارکتني الحصار.. بحبک) ثم رسمنا التاريخ المقرر لخروجنا الأخير من مدينة احتضنت سنوات حياتنا وکل ما نملک من ذکريات”.
المنقذون يتذکرون
أما الدفاع المدني الذي کان اليد البيضاء التي عملت علی إنقاذ المدنيين من نيران الأسد وبراميله، فلعناصره ذکريات دامية لا يمکن أن تنسی، مع صرخة ألم من کل طفل أو شيخ أو امرأة تحت الرکام.
يقول “إسماعيل العبد الله” وهو أحد المنقذين الذين عملوا في مرکز باب النيرب: “الشعور أنک تفارق مدينتک التي خلقت فيها أصعب من شعور الإصابة، وأشبه بأنک فقدت شخصاً غاليا عليک جدا، وصولاً إلی حدٍ لم أکن أعلم کيف سأبدأ حياتي من جديد خارج المدينة”.
ويکمل العبد الله “أفتقد اليوم الشوارع والناس والشهداء الذين عاشوا معنا تلک الأيام التي کانت أحلی الذکريات الثورية، أما الصدمة الکبری لي فکانت باستشهاد صديقي المنقذ محمد وليد مشهدي بقصف النظام علی الأحياء الشرقية، فقد کان بمقام والدي”.
يذکر أنه بعد مرور عام کامل علی احتلال القسم الشرقي من مدينة حلب، مازال أبناء المدينة الذين هُجروا قسراً منها ينظرون بعين الأمل لعودة قريبة إليها، فمن عاش طعم الحرية لا يمکنه أن يتذوق طعم الذل مرة أخری، ويشهد علی ذلک الأعداد التي عادت إلی المدينة منذ احتلالها من قبل قوات النظام وحلفائه، فما يزال هناک الملايين يترقبون کل لحظة سقوط طاغية دمشق، للعودة إلی منازلهم وبناء سوريا المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى