أخبار إيرانمقالات

إيران تختبر إدارة ترامب مبکرا

 

عربي 21

4/2/2017

 

 

بقلم:علي حسين باکير

 

خلال بضعة أيام فقط، قام النظام الإيراني بإجراء تجربة لصاروخ بالستي متوسط المدی (شهاب-3) کان قد طوّره بالاستعانة بتکنولوجيا کورية شمالية، ثم تبع ذلک تنفيذ مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا لهجوم إرهابي ضد قطعة بحريّة سعودية، وقد تم تصوير الهجوم الإرهابي وبثّه باتباع الأسلوب التقليدي للمليشيات المدربة من قبل الحرس الثوري الإيراني وتحديدا کبروبغندا حزب الله اللبناني.
ردّ إدارة ترامب کان سريعا وقويا عبر مستشار الأمن القومي مايکل فلين الذي وجّه تحذيرا رسميا لإيران، تلا ذلک تغريدات للرئيس ترامب تصب في نفس المسار، لکنّ الجانب الإيراني رد علی الرد أيضا، فحرص أن ينفي الاتهامات الموجّهة إليه، ثم سرعان ما انتقل إلی مستوی أعلی حيث قال علي أکبر ولايتي، مستشار  المرشد علي خامنئي، بأنّها ليست المرة الأولی التي يقوم بها شخص يفتقد إلی الخبرة بتهديد إيران، وأنّ علی الجانب الأمريکي أن لا يطلق التهديدات الفارغة وأن يعي أنّ إيران أکبر قوّة في المنطقة.
لم تکن التجربة الصاروخية الإيرانية اعتباطية بطبيعة الحال سواء لناحية التوقيت أو المضمون. وعلی الرغم من التقارير التي أشارت إلی أنّ التجربة الصاروخية فشلت عمليا، فإنّ هدف النظام الإيراني کان إختبار موقف إدارة ترامب من هذا الموضوع الشائک والمرتبط بشکل أو بآخر بالاتفاق النووي الذي عقده أوباما مع نظام الملالي سابقا.
جادل البعض بأنّ إدارة ترامب کانت قد أعلنت موقفها المتشدد من الاتفاق مسبقا، وأنّه لا مصلحة إيرانية في استفزاز هذه الإدارة أو إعطائها ورقة للضغط علی إيران لاحقا. لکن في حقيقة الأمر، من يفهم النظام الإيراني جيدا، يدرک أنّه لا ينظر إلی الأمر بهذا الشکل.
النظام الإيراني يعتبر أن سکوته في هذا التوقيت بالتحديد قد يُفسر من قبل إدارة ترامب علی أنه ضعف ما يشجّعها علی اتخاذ قرارات تصعيديّة سريعة، ولذلک فهو يفضّل إجراء التجربة الصاروخية ليقول بأنّه لن يتراجع عن هذا المکسب بالتحديد، علی اعتبار أنّ هذه النقطة ستکون مکمن الاشتباک الأول بين الطرفين في الاتفاق النووي.
أضف إلی ذلک، أنّ النظام الإيراني يسعی من خلال التجربة الصاروخية إلی إحداث انشقاقات في الموقف الدولي بين مؤيد لترامب ومعارض له، وهذا سيساعد نظام الملالي علی معرفة مدی تجاوب الدول الأخری مع الإدارة الأمريکية حول نشوب نزاع بين الطرفين.
روسيا علی سبيل المثال قالت بأنّ التجربة الإيرانية لا تخرق الاتفاق النووي، وأنّ فرض أي عقوبات جديدة علی إيران قد يعقّد تطبيق الاتفاق النووي. لا بدّ أنّ إيران تعتقد أيضا بأنّ الموقف الصيني سيکون مماثلاً للموقف الروسي، أمّا الاتحاد الأوروبي فلديه مصالح مع إيران، وقد يؤثر ذلک علی موقفه النهائي، ما يعني أن إدارة ترامب قد تجد نفسها وحيدة في هذا الموقف التصعيدي وفقا للحسابات الإيرانية.
وفق التبريرات الإيرانية الدائمة، فإن التجربة الصاروخية الأخيرة کما غيرها من التجارب تصب في الخانة الدفاعيّة، وبالرغم من هذا  الإدّعاء، لم تکتف إيران بهذه الخطوة، وسرعان ما اتبعتها بخطوة هجومية تمثّلت في استهداف الحوثيين لسفينة سعودية. لا يوجد أحد لا يعلم بأنّ إيران تحاول منذ أکثر من عقد من الزمان أن تقول بأنّها قادرة علی إغلاق مضيق هرمز  وعلی إيقاع خسائر مؤلمة بالقوی المتواجدة هناک بما في ذلک البحرية الأمريکية من خلال  استراتيجية لاتناظريّة.
هذه الخطوات تشير إلی أن إيران تريد أن تقول بأنّها “لن تتراجع، وإذا ما حاولتم استخدام القوة، فإن النتيجة ستکون مؤلمة”، ويهدف هذا التصعيد إلی دفع الإدارة الأمريکية إلی التفکير جيدا قبل اتخاذ أي قرار متسرّع، وبمجرّد حصول مثل هذا الأمر تکون الإدارة الأمريکية قد خضعت لردع “سيکولوجي” علی الأقل، وهذا ما يريده النظام الإيراني بالضبط.
لکن، من قال بأنّ إدارة ترامب إدارة عقلانيّة وتخضع لنفس منطق الحسابات الذي تحاول إيران فرضه؟
ولايتي اعترف بنفسه بأنّ ترامب إنسان يفتقد إلی الخبرة، ولذلک، فإن الاستنتاج الذي من الممکن أن نخرج به من هذه المعطيات يقول بأنّه إذا  کان هناک من جهة علی إيران أن تخشاها فهي “الجهة غير العقلانية وغير الخبيرة”. في المقابل، وحتی لا تفقد إدارة ترامب مصداقيتها في هذا الملف بالتحديد، سيکون من المهم بمکان أن تجعل أفعالها أقوی وأکثر وضوحا من أقوالها علی الدوام، فالنظام الإيراني في نهاية المطاف لا يستجيب بشکل جيّد للکلام ولکنه يستجيب بشکل فعّال للأعمال.

زر الذهاب إلى الأعلى