العالم العربي

بطل من حلب ضحی بساقيه لينقذ العشرات من الجحيم

 


23/12/2016

 

لا تزال بطولات أهل حلب السورية تتوالی واحدة تلو الأخری، وکأنَ المدينة العتيقة، أشبه بکتاب أساطير يسرد وقائع ومآسٍ لا تخطر علی بال، لکن ما يميزها هذه المرة، أنها واقعية قام بها الناس فعلًا.
فلم تقتصر جرائم نظام بشار الأسد والتنظيمات الإرهابية الأجنبية الموالية له، علی فئة دون أخری، ولم تفرق أعمال القتل والتدمير الممنهج التي مارسها، بين مسلح ومدني، وبين کبير وصغير.
المواطن السوري”مصطفی راشد”، سطَر واحدة من هذه البطولات، التي لا شک أنها ستحافظ دائما علی مکانها في کتب التاريخ.
التقت “الأناضول” راشد، في مستشفی أضنة التعليمي جنوبي ترکيا، عقب خضوعه لمجموعة من العمليات الجراحية؛ من أجل التخفيف عما يشعر به من آلام.کان راشد يعمل حتی الأسبوع الفائت، ضمن طواقم الانقاذ واستخراج الجثث من تحت الأنقاض في هيئة الدفاع المدني (غير حکومية وتتبع المعارضة السورية)، بحلب الشرقية.
يقول راشد، “کنت حينها أسعی مع زملائي؛ من أجل استخراج أناس کانوا باقين تحت الأنقاض منذ 43 ساعة کاملة”.وفي حزن أضاف، “أثناء انهماکنا في العمل سمعنا دوي قصف جوي أعلانا، ولا أتذکر بعد هذا، إلا أنني عدت لوعيي بدون ساقين”.
وتابع، “لم أکن أکترث لحياتي، ولا بالمصير الذي ينتظرني، وانضممت بکامل إرادتي إلی فرق “أصحاب الخوذ البيضاء”، لإنقاذ آلاف الأرواح البريئة من قصف قوات نظام بشار الأسد والقوات الداعمة له”.
وعن حالة أسرته أثناء الحصار، قال “کنت أتجرع آلاماً لا يمکن وصفها وأنا أشاهد الأيام تمر علی زوجتي وأبنائي الثلاثة دون ماء ولا طعام، وأنا أقف مکتوف الأيدي”.
ولفت أن المدينة کانت تعاني من خراب شديد وتدمير عمدي للمنازل، فضلا عن فرض قوات الأسد لحصار قاسِ وعدم السماح بعبور أي مؤن أو مساعدات إنسانية.وعن خروجه من حلب، قال، “عندما أُعلن وقف إطلاق النار، ومع بدء إجلاء المدنيين من حلب، أخذت زوجتي وأولادي واتجهنا مع المئات نحو الحدود الترکية”.وأردف، “خرجت من حلب، لکن نصف جسدي وقلبي لا يزالا هناک، (…)، وستبقی دقات قلبي تتواصل مع کل ذکری سعيدة لي في هذه المدينة”.
وعن وضعه الصحي، أوضح أن ساقاه بُترتا في ظروف ليست آمنة بالمرة، ما تسبب في انتشار التهابات في مواضع البتر”.أضاف، “أحضروني إلی ترکيا في سيارة إسعاف، للتدخل الجراحي السريع، وترکت ورائي أبنائي وزوجتي”.
وعبَر راشد عن امتنانه للدعم الترکي الذي وجده منذ دخوله من معبر جيلفا غوزو الحدودي، وتمنی أن يجتمع بباقي أبنائه، بعد قدوم زوجته مع ابن واحد.
من جانبها قالت ليلي، زوجة راشد، “صارت حلب مکان مُدَمر وميت، ولا يوجد أثر أي شکل من أشکال المساعدات الإنسانية الأساسية”.
وأضافت، “الحمد لله، تمکنت من الدخول مع واحد من أبنائي الثلاثة إلی ترکيا، عبر معبر باب الهوی، فيما بقي ولداي الآخران عالقين في المعبر وترکتهما عند بعض الأقارب”.
وتمنت ليلی، أن يکون ما شاهدوه “آخر الأحزان وأن تبدأ حياة جديدة مع أسرتها خالية من الآلام”.
وبدأت عملية إجلاء سکان أحياء حلب الشرقية المحاصرة في 15 ديسمبر الجاري، إلا أنها واجهت عراقيل، تبادل النظام السوري والمعارضة الاتهامات بشأنها، الأمر الذي عطل العملية مراراً.
وفي ساعة متأخرة من مساء الأحد الفائت، وبعد تعثر استمر 3 أيام، استؤنفت عملية الإجلاء بموجب اتفاق جديد بوساطة ترکية روسية، بين المعارضة السورية والمجموعات الأجنبية الإرهابية الموالية للنظام.ويشمل الاتفاق بلدات “مضايا” و”الزبداني” بريف دمشق (تحاصرهما ميليشيات حليفة للنظام) و”کفريا” و”الفوعة” بمحافظة إدلب (تحاصرهما المعارضة).

زر الذهاب إلى الأعلى