العالم العربي

القرار المفاجئ.. لماذا أعلن بوتين سحب أغلب قواته من سوريا؟

 


15/3/2016
تزامن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ أمس (الإثنين)، سحب أغلب قواته من الأراضي السورية، مع بدء جولة محادثات سلام جديدة في جنيف بغية التوصل إلی حل للأزمة السورية.
توقيت القرار وطبيعته المفاجئة أثار تساؤلات حول ما إذا کانت روسيا ما زالت تدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد بقوة وتصميم کما في السابق؟.
وتکشف الأرقام الاقتصادية الروسية في عام 2015، أن الاقتصاد الروسي قد تراجع بنسبة 3.7 %، وأفضل التقديرات لعام 2016، تتوقع الاستمرار السلبي في معدلات النمو، حتی لو کان بوتيرة أبطأ مما کانت عليه خلال 2015 ، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
کما شهد الاقتصاد الروسي تضخماً بنسبة 15.4% خلال عام 2015، وهو ما أدی إلی اقتطاع 5% من ميزانية وزارة الدفاع المتوقعة لعام 2016، لکن النسبة أکبر من ذلک بکثير، إذا أخذنا التضخم المتسارع بعين الاعتبار؛ وهي من جملة العوامل التي تضغط علی استراتيجية بوتين للخروج من سوريا.
حدثان جريا خلال الأسبوع الحالي بعيداً عن الساحة السورية، لفتا الأنظار لسعي الرئيس الروسي الحثيث لتسوية الصراع السوري، وثبتت فعلاً تلک التوقعات عبر إعلان الرئيس الروسي المفاجئ سحب قواته البرية من سوريا، اعتباراً من صباح اليوم.
فمن جهة، أعلن القائد العام للناتو، الجنرال فيليب بريدلوف (يوساف) أمام جلسة استماع حول الميزانية في الکابيتول هول في واشنطن، أنه ينوي نشر لواء قتالي بشکل دائم في شرق أوروبا ودول البلطيق، علی طول الحدود الروسية.
ووفقاً لنشرة “ميديل إيست بريفينغ” الصادرة عن مجموعة المشرق الاستشارية، فإن البنتاغون أطلق “ببطء”، عملية تحديث لأسلحة استراتيجية نووية حرارية، وأنظمة جوية وبرية وبحرية، وجعلها موجهة نحو روسيا، کما أعلنت وزارة الدفاع الأميرکية عن استعدادها لإنفاق قرابة تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
من جهة أخری، قالت وکالة أنباء “رويترز” ووکالات إخبارية غربية أخری، بأن بوتين قرر تخفيض ميزانية الدفاع الروسي بنسبة 5% خلال العام الحالي؛ وذلک سيکون بمثابة أول مؤشر لافت، لأنه لم يحدث، منذ تسلم بوتين السلطة في عام 2000، بأن قلصت روسيا حجم إنفاقها العسکري؛ فقد ترکت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب علی روسيا، بسبب تدخلها العسکري في إقليم القرم وشرق أوکرانيا، آثارها التراکمية البليغة، ويضاف إلی ذلک تدني أسعار النفط بأکثر من 70%، وتراجع الاستثمارات في الاقتصاد الروسي بدءاً من عام 2012.
استراتيجيون عسکريون أميرکيون، اعتقدوا أن بوتين ارتکب بعض الأخطاء الکبری، انطلاقاً من ضعف وليس من قوة، وذلک بعد أن وقع الرئيس الروسي في 31 ديسمبر( کانون الأول) استراتيجية أمنية قومية جديدة، أبرز سماتها التأکيد علی استعداد روسيا لنشر أسلحة نووية قصيرة المدی، وضعيفة الأثر، في حال شن “الناتو” هجوماً بأسلحة تقليدية.
وتوصل خبراء عسکريون روس لنتائج بأن “الناتو” والولايات المتحدة متفوقان في الأسلحة التقليدية، وذلک بالرغم مما کشفت عنه دراسة حديثة صادرة عن مجموعة راند، وتبين أن قوات روسية قادرة علی غزو واحتلال دول البلطيق في ظرف 72 ساعة.
وبوتين ليس في خطر فقدانه قبضته علی السلطة، لکنه مضطر لمراقبة عامل الوقت، فهو لن يستطيع الحفاظ علی تفوقه العسکري، وحماية جبهته الغربية، والإبقاء علی وجوده الضخم في سوريا إلی ما لا نهاية، بل يحتاج لتحقيق نصر دبلوماسي سريع في سوريا، وللمحافظة علی مصداقية وهالة عودة ظهور روسيا کقوة ضمن القوی العالمية الکبری.
روسيا حققت تقدماً ملحوظاً في مجال التطوير العسکري خلال العقد ونصف العقد الماضي، منذ إعلان بوتين عن خطط رامية لإنفاق 700 مليار دولار في مجالات الدفاع والبحث والتطوير. وأنتجت جيلاً جديداً من الغواصات الشبح، وقامت بتطوير جيل جديد من المقاتلات النفاثة التي أثبتت قدراتها القتالية في سوريا، ونشرت صواريخ ذات ميزات فنية من نوع کروز، أطلقتها من سفنها في بحر قزوين علی أهداف في سوريا.
وفي محاولة منها لتعويض التفوق الغربي التقليدي، قامت روسيا بنشر الأسلحة النووية ذات المردود المنخفض والدقة التکتيکية العالية، قابلته الولايات المتحدة بتحديث ترسانتها التي تفوق الـ500 سلاح نووي تکتيکي، تحديداً قنابل الـ (بي 61/12).
وقد تنبه خبراء التخطيط الحربي في حلف شمال الأطلسي، إلی التهديد المتمثل في استخدام روسيا للأسلحة النووية التقليدية، في حال حدوث مواجهة تقليدية، وهذا ما عزز الوجود الأميرکي فيما سماه اللواء بريدلاف بـ(الجبهة الجديدة للحرب الباردة)، وهذا التصعيد لا يمکن لروسيا تحمله، وفيه يکمن جوهر الأزمة التي يواجهها بوتين، فلو انهارت مباحثات السلام في جنيف ودخلت سوريا مرحلة جديدة من الحرب، فإن روسيا لا يمکنها البقاء في سوريا إلی أجل غير مسمی، ولا هي قادرة علی الانسحاب قبل الأوان، ولا يمکنها بأي حال مواجهة أي تدخل مباشر من قبل الحلف، وهو ما يمثل الخطة البديلة لواشنطن والناتو حيال سوريا.
فلو تبنّی القادة الغربيون بقيادة باراک أوباما (علی أعتاب نهاية ولايته) خطة حيال مأزق بوتين، الأمر الذي سبقهم إليه مخططو الحروب في البنتاغون، فإن هذا من شأنه أن يغيّر في الموقف التفاوضي علی طاولة جنيف وما بعدها.
نقلا عن الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى