مقالات

قيادة إيران والتقارب مع الشيطان

 



الشرق الاوسط
12/3/2015
 



بقلم:عبدالرحمن الراشد     


 


مع اقتراب المفاوضات الأميرکية الإيرانية لخط النهاية المعلن لم يعد السؤال عن السلاح النووي نفسه، الذي هو سبب الخلاف ودافع التفاوض، بل عن إيران النظام، هل سيکون معتدلا بعد أن يوقع الاتفاق؟ هل هي مجرد عقدة الشک بمجرد أن تحل باتفاقية ترفع العقوبات ستصبح إيران مثل مصر والمغرب والسعودية وباکستان، دولة صديقة للغرب ومنفتحة علی العالم، أم أنها مجرد خطوة هدفها رفع العقوبات عن الأسد المتطرف المحبوس في قفصه؟
ليس سهلا قراءة عقل النظام الإيراني لأنه منغلق، ويشبه السياسيون الإيرانيون متطرفي العرب في الأعراض التشخيصية المتناقضة، في التوفيق بين الخطاب السياسي والممارسة الحقيقية، ومن بينها ممارسة العلاقات الخارجية المستترة، وتحديدا العلاقة مع الولايات المتحدة. وفي تصوري رغم کثرة الجزر الذي قدمه المفاوضون الأميرکيون فإن هذه العلاقة لن تتطور کثيرا لاحقا، إلا بما يخدم الجزء العسکري الإيراني، فمعاداة واشنطن رکيزة رئيسية قامت عليها الثورة، وصبغت نشاطاتها الخارجية.
وتاريخ إيران المعاصر يشي بذلک من بني صدر إلی روحاني. منذ البداية جرت محاسبة کل من دعا للانفتاح، أولهم أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإيرانية، الذي أجبر بسبب آرائه الانفتاحية علی ترک موقعه والهرب للعراق ثم اللجوء إلی فرنسا. وانفتحت مرة بسبب حاجتها إلی السلاح إبان حربها مع العراق، فقد جربت الحکومة الإيرانية فتح قناة سرّية، وإبرام صفقة سياسية وعسکرية مع إدارة الرئيس الأميرکي حينها، رونالد ريغان، لولا أن السر فُضح في مجلة «الشراع» اللبنانية عام 1987. واضطر ريغان إلی الاعتذار عما عرف بفضيحة «إيران – کونترا». ثم مرت 10 سنوات باردة حتی انتخب محمد خاتمي رئيسا، بناء علی برنامجه الانفتاحي، وقد جرب التقارب مع واشنطن، لکن لم يسمح له المتطرفون داخل النظام بإکمال برنامجه وصار بلا صلاحيات، وخرج من الرئاسة، بعد إذلاله علی کل المستويات. تلاه الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي رغم لغته الصارمة المتوعدة للغرب کان يريد أن يفتح قنوات جانبية مع الأميرکيين، وقد کلف قريبه ومساعده وکاتم أسراره رحيم مشائي بهذه المهمة لکنها فشلت بعد أن تلقی بسببها سيلا من الانتقادات، وحرم من فرصة الترشح للرئاسة. والآن نحن في حقبة الرئيس حسن روحاني، الذي اختير رئيسا بحجة رغبة طهران في الانتقال من التطرف إلی الوسط، لکن روحاني جعل جل وظيفته محصورا في إبرام صفقة سياسية نووية متکاملة مع الولايات المتحدة ولم ينفتح داخليا ولا خارجيا.
من قراءة مسار القيادة الإيرانية منذ إسقاطها نظام الشاه، المتهم بالغرب والتغريب، وإلی الآن، هل يمکننا القول إن إيران بعد الصفقة التاريخية الموعودة ستتجه إلی الانفتاح والاعتدال، وإنهاء حقبة «الحرب النفسية» مع الولايات المتحدة، أم لا؟
الأرجح أن النظام الإيراني يطمع في علاقة نفعية محدودة مع الغرب عموما لکنه لا يريد التغير، فهو يخشی من التحول السياسي. ولا يزال الفکر المتطرف مهيمنا علی قياداته الدينية والأمنية، ويخاف من تأثير الانفتاح علی قدراته. فالنظام، بخلاف لغته العصرية، ضاعف من سلطاته خلال السنوات القليلة، وفي حقبة روحاني لم يرخِ قبضته، بل زاد من تشددها، ولم يقدم تنازلات داخلية تذکر. وقد لاحظنا أنه، بعکس خطاب روحاني التصالحي، توسع في مغامراته الخارجية، وزاد من قلق جيرانه، مستغلا رغبة إدارة الرئيس باراک أوباما الجامحة في إبرام صفقة معه.
کل مظاهر الحکم ونشاطاته توحي بأن إيران لا تنوي أن تتغير کما فعل السوفيات في عهد غورباتشوف، ولا أن تتحول تدريجيا کما فعل الصينيون. نظام إيران حالة بين الصين وکوريا الشمالية، أي أقل انغلاقا لکنه بعيد جدا عن الانفتاح والاعتدال، وهنا تکمن خطورة منحه اتفاقا حيويا نوويا.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى