أخبار إيرانمقالات

شهداء ليبرتي

 

 

دنيا الوطن
5/11/2015
 


بقلم:احمد الصالح


 

وداعا ايها الراحلون کشموخ أشجار السنديان


لم يکن مساء يوم الخميس 29 تشرين الثاني 2015، يوما إعتياديا يالنسبة لسکان مخيم ليبرتي للاجئين الايرانيين، حيث شهد هجوما صاروخيا عنيفا جبانا ضدهم ادی الی استشهاد 24 شخصا وخلف عشرات الجرحی مع خسائر مادية جسيمة في المخيم، حرمت المئات من سکانه من وجود حتی مکان للنوم فيه في ظل جو بارد قارس خلال الليل.

هذا الهجوم البربري الجبان لم يکن الأول، ولن يکون الاخير، ما دام هناک قصور دولي واممي واضح تجاه القوات العراقية والميليشيات المنفلتة التي تأمر بأوامر ايران، والتي اطلقت العنان لها في القتل المبرمج والممنهج لسکان مخيم ليبرتي بالتدريج ودون ادنی مسائلة قانونية، رغم ان هذه الهجمات هي جرائم حرب ضد الانسانية بکل ما تحمل الکلمة من معنی، حيث انه ومنذ الاحتلال الاميرکي للعراق وبدء اعتداءات وتجاوزات النظام الايراني ضد المعارضين الايرانيين المتواجدين في العراق بطرق مختلفة وعبر عملائهم  المنتشرين في کل ارجاء العراق، فان هؤلاء السکان العزل في مخيم ليبرتي وقبلها في مخيم اشرف يتعرضون لابشع صنوف القتل والقمع والحصار الخانق الذي يمنع عنهم حتی الدواء لمرضاهم ولجرحاهم، بل وفي الاونة الاخيرة تم منع وصولم حتی الغذاء الی داخل المخيم في خطوة تصعيدية جديدة من الخطوات التي تنفذها القوات العراقية باوامر من طهران لزيادة التعذيب النفسي والجسدي ضد سکان المخيم العزل.

ان هذه المخططات التي تنفذ ضد سکان مخيم ليبرتي، انما تستهدف القضاء عليهم  وابادتهم بالکامل، وهذه جريمة حرب تستهدف  التخلص من حياة البشر العزل بطريقة بشعة لا تکترث بارواح الناس ولا تاخذ بعين الاعتبار أي قيمة من قيم الانسان، سوی انها تاخذ اعتبارا فقط انانية النظام الحاکم في ايران ونزعاته ونزواته ومصالحه  الشخصية والخاصة فقط، الامر الذي يستوجب علی المجتمع الدولي ان  يبادر الی محاکمة هذا النظام علی جرائمة طال الزمان ام قصر.

اما بشأن شهداء مخيم ليبرتي، وقبلهم شهداء مخيم اشرف، فاننا نقول لهم، ان کل حرف هو في الحقيقة بداية، وکل کلمة خطوة تسير لتقطع خط البداية، وکل جملة انطلاقة، انطلاقة للتحرر من قيود الجمود والتصلب، انطلاقة لا يعرف معناها ولا يدرک مغزاها إلا من رجف قلبه وهو بعيدا عن أجسادکم مع رجفات أنفاسکم وهي تجاهد الموت والمستحيل، واهتز خاطره مع خواطر أرواحکم، وانتابته نفس الأحاسيس التي انتابتکم وانتم تودعون الحياة الدنيا للارتفاع والارتقاء نحو الحياة الباقية في رحم الوطن والسماء، لا لشيء، إلا لأنکم موحدين النفس قبل أن توحدوا الجسد، وموحدين للروح قبل توحيد کل ما يمکن توحيده.

يا شهداء أشرف، يا شهداء ليبرتي، أنتم النقطة، وأنتم الحرف، أنتم الکلمة وأنتم الجملة، أنتم الحلقة التي لا يمکن النفاذ إليها، أنتم الحصار، وأنتم الحرية، في ايران المجد والکرامة….

کنا نحن وکنتم، وکان الحلم، کان الحلم سوسنا يدغدغ خواطر الأرض والرمل والحجر، کنا وکنتم، وکان الحلم يمر في أعطاف طفولتنا ليرسم صور التاريخ، والنضال، والتضحية، وکنا نصنع من طفولتنا رجولة تأبی انتظار بلوغ البنية واکتمالها، أمانة منا في فهم رجولتکم، أمانة منا بإمساک الحلم بأصابع لم تعرف يوما أن الحلم مستحيل، لأنها عجنت حلمها، حلمکم، حلم الأرض، حلم الشعب ببراءة رجولة مبکرة لتقف فوق الأرض ضاربة جذورها بعمق العمق، کأشجار السنديان، شامخة لا تکسرها العواصف ولا تأکلها الحرائق السوداء، فجذورها هناک، هناک في رحم أرض لا تنجب ولا تستطيع إلا أن تنجب صمودا، صمودا يلتف حول رائحتکم التي تمدنا وتمنحنا معنی لا ککل المعاني.

أما انتم يا سکان مخيم ليبرتي، ايها القابضون علی الجمر.. فنقول لکم.. لقد قالوا في الحرية کلاما کثيرا، شعراء، وأدباء، وفلاسفة، ومصلحون، ورواد أفکار وساسة، لکنکم لم تقولوا شيئا، ولم نعرف حقا أنکم قلتم کلاما يشبه أو يقترب مما قيل، وکل ما نعرفه، وما نعلمه، أنکم بتاريخکم، بکل أعمالکم، کنتم الوحي لکل من قال إلهاما، کنتم أنتم، وليس غيرکم، من يصنع مواد الخلق والإبداع لکل هؤلاء، فمنکم ومنکم وحدکم، أصبحوا شعراء يتغنی الناس والهواء بکلامهم، کنتم أنتم الفعل، وکانوا هم القول، کنتم أنتم الحقيقة، وکانوا هم رساموها، کنتم أنتم الحق، وکانوا هم أوجه الخلاف فيه.. فسلام عليکم.

زر الذهاب إلى الأعلى