العالم العربيمقالات

الروس يسألون الأسد: ماذا ستفعل؟

 

الشرق الاوسط اللندنية
2/3/2017
 

بقلم:صالح القلاب

 

استجدت مؤشرات، لا بل معطيات، قبل وبعد اجتماع «آستانة» الأخير فهمت، وخصوصًا من قبل المعارضة، علی أن روسيا باتت بصدد تحولٍ فعلي وجدي بالنسبة لأزمة سوريا،
التي اقتربت من نهاية عامها السادس والتي بقيت تنتقل من مأزق سابق إلی مأزق جديد علی مدی الفترة منذ نحو منتصف مارس (آذار) عام 2011 وحتی الآن، والدليل هو أنَّ حرکة قواتها العسکرية علی الأرض وتحديدًا في المناطق المتاخمة لدمشق وبالقرب من الطريق المؤدي إلی لبنان قد اتخذت وضعًا يدل علی أنَّ المستهدف هو «حزب الله» اللبناني الذي يصر قادته علی أنه لن يغادر المناطق التي يرابط فيها في هذا البلد إلا بعد ضمان بقاء بشار الأسد في موقعه کرئيس للدولة السورية.
ثم وإن ما يرجح احتمال أن روسيا باتت تعمل فعلاً علی حلٍّ يخرجها من هذا المأزق الذي غدت تغرق فيه، تلک المعلومات المتداولة علی نطاق ضيق التي تتحدث أنه سيکون لإسرائيل دور في هذا الحل قد يتحول إلی عمل عسکري إنْ استدعت مستجدات الأمور ذلک، ولعل ما يعزز هذا أن هناک معلومات تتحدث عن أن الإسرائيليين قد بادروا خلال الأيام الأخيرة إلی إعادة نشر قواتهم في هضبة الجولان المحتلة، وأن طلائع هذه قد تجاوزت الحدود الدولية وترکزت في بعض الأراضي السورية التي لم يشملها احتلال عام 1967.
وهکذا، فإن ما يعزز هذه المعلومات أيضاً أن لقاءً غير بعيد قد جمع نائب وزير الخارجية والمندوب الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط ميخائيل بغدانوف بقيادي فلسطيني، کان يعتبر أحد رموز الاتجاه اليساري المحسوب علی موسکو عندما کان الاتحاد السوفياتي في ذروة قوته وتألقه، وأنه أبلغه أن روسيا عندما تدخلت عسکرياً في سوريا کانت تعتقد أن تدخلها هذا لن يطول وأن قواتها ستعود بمجرد تحقيق المصالح الروسية التي جاءت من أجلها، وبالطبع فإن المقصود هنا هو إقامة قاعدة «حميميم» قرب اللاذقية وتعزيز قاعدتي طرطوس وبانياس، وهو تعزيز وضع بشار الأسد ليتمکن من التفاوض مع معارضيه من موقع القوة.
لقد نقل هذا المسؤول الفلسطيني عن «رفيقه» السابق، الذي کان قد تعرف عليه عن قرب في فترة المد اليساري في هذه المنطقة، قوله: الآن وجدنا أن روسيا قد باتت تغرق فعلاً في الأزمة السورية وبحيث أصبح البقاء مشکلة وأصبح الانسحاب والرحيل عنها مشکلة، بينما الظروف هي هذه الظروف المأساوية، مشکلة أکثر تعقيدًا من مشکلة البقاء… لقد کان الاعتقاد أن «إسقاط» حلب وانتزاعها سوف يرجح موازين القوی لمصلحة نظام بشار الأسد وتمکينه من التفاوض من موقع القوة، لکننا اکتشفنا أننا کنا مخطئين وأن الرئيس السوري قد تضاعف اعتماده علينا وأن انسحابنا «الکيفي» سيکون بمثابة نهايته ونهاية نظامه، وأن هذا البلد سيزداد غرقاً في الفوضی وأن الإرهاب بالنتيجة سيکون المسيطر وأن إيران ستصبح القوة الرئيسية في هذه الدولة العربية.
وأضاف بغدانوف: ربما أن حتی بعض أصدقائنا لم يدرکوا أننا أردنا معرکة حلب کبوابة للحل في سوريا وعلی أساس ألا يتفاوض بشار الأسد مع «أعدائه» ومعارضيه من موقع الضعف وإنما من موقع القوة، لکننا اکتشفنا أن حساباتنا کانت خاطئة وأن «الانتصار» الذي تحقق في هذه المدينة الرئيسية کان انتصاراً وهمياً وأن المعارضين قد ازدادوا قوة، بينما ازداد النظام السوري ضعفاً وازداد اعتماده علی الروس والإيرانيين وباتت حالته کحالة الغريق الذي يتشبث بزبد البحر.
وقال بغدانوف لرفيقه القديم: إنه في ظل کل هذه المستجدات ولأن روسيا لم تعد قادرة؛ لا علی البقاء في سوريا ولا علی الانسحاب منها، فقد جاء مبعوثاً من قبل الرئيس فلاديمير بوتين إلی الرئيس السوري بسؤال واحد هو: لنفترض أن الحرب ستنتهي لمصلحة هذا النظام ورئيسه، فهل بالإمکان يا تری الاستمرار بعدما أصبح هذا البلد مدمراً علی هذا النحو وأصبحت تکلفة إعادة بنائه تتجاوز الـ400 مليار دولار… لا يتوفر منها دولار واحد؟!
لقد قلنا للأسد، والکلام لهذا المسؤول الروسي، إنکم لا تملکون من هذه المبالغ الطائلة أي شيء، وذلک في حين أن إيران بأوضاعها الحالية غير قادرة علی مساعدتکم، وأن روسيا التي تتحمل الآن مسؤوليات کثيرة أخری لها الأولوية، ومن بينها مشکلة أوکرانيا المتفاقمة غير قادرة علی مساعدتکم أيضاً وکل هذا في حين أن المؤکد أن الولايات المتحدة لن تقدم لسوريا أي شيء والأسباب هنا معروفة… وهذا ينطبق علی الدول الأوروبية کلها دون استثناء… ولا دولة واحدة. عند هذا الحد سأل بغدانوف بشار الأسد حسب رواية اليساري الفلسطيني القديم: إن هذه هي حقائق الأمور وبکل صدق وصراحة… فماذا أنت فاعل؟ وکان جواب الرئيس السوري بعد إطراقة طويلة وفقاً لهذا المسؤول الروسي: أعطوني مهلة لأتدارس الأمور وأرد عليکم!!
وهنا فإن الواضح، وهذا هو ما فهمه بالتأکيد بغدانوف، أن الأسد الذي لم يعد في يده من أمور سوريا شيئاً، أراد هذه المهلة التي طلبها من المبعوث الروسي لمراجعة إيران ولأخذ رأي الولي الفقيه علي خامنئي ومعه قادة الحرس الثوري المتنفذون، والمعروف هنا أن طهران ضد هذا «العرض» وأنها ترفض الانسحاب من هذا البلد العربي وأنها تنفذ مخططاً هدفه تغيير هذه المنطقة کلها طائفياً ومذهبياً، وهذا ما تحدث عنه وزير الخارجية الترکي أحمد داود أوغلو عندما قال: إن الإيرانيين يسعون لـ«تشييع» العراق وسوريا.
وهکذا فإنه لا بد من التساؤل: هل يا تری أن روسيا ستضطر في النهاية إلی الانسحاب من سوريا وترک بشار الأسد يواجه مصيره بنفسه… وخصوصاً أن المنتظر أن أوضاع الإيرانيين ستزداد سوءاً في ضوء ما ينتظرهم من عقوبات جديدة وفي ضوء ازدياد الضغط عليهم، إن من قبل الولايات المتحدة وإن من قبل المجتمع الدولي، الذي لم يعد يحتمل نزواتهم ولم يعد قادراً علی السکوت عما باتوا يفعلونه في هذه المنطقة؟
وإجابة عن هذا التساؤل، فأغلب الظن أن الروس سيبقون في سوريا إلی حين إنجاز حلٍّ «معقول»، هو الحل الذي انعقد من أجله اجتماع «جنيف 4» الأخير الذي تشير مجريات الأمور کلها إلی أن إيران ستبقی تضع العصي في دواليب هذا الاجتماع الذي لم يحقق حتی الآن أي إنجاز فعلي، والذي إنْ هو انتهی إلی مصير کمصير اجتماعات جنيف السابقة، فإن الأوضاع في سوريا ستزداد سوءاً، وإن خيار التقسيم سيصبح غير مستبعد، وإن الروس سيکتفون من الغنيمة بالإياب، وذلک لأنهم غير قادرين علی أن يبقوا في هذا البلد الملتهب إلی ما لا نهاية.. .

زر الذهاب إلى الأعلى