أخبار إيران

إيران.. بين سکان المقابر وضريح خميني

نهاية العام الماضي، نشرت صحيفة “شهروند” الحکومية الإيرانية، صوراً أظهرت إيرانيين فقراء، دفعهم ضيق الحال والبرد إلی اتخاذ المقابر مساکن لهم، في مشاهد نضحت بؤساً، وأثارت سيلاً من التعليقات حول العالم.
أکثر من 300 شخص بينهم نساء وأطفال، لم يجدوا في مدينة شهريار الإيرانية مکاناً يقيهم قرّ الشتاء سوی اللجوء إلی مقابر المدينة، بل إن بعضهم کانوا يشترکون بالعيش في قبر واحد.


سکان المقابر وضريح خميني


صور شيوخ وأطفال صغار ونساء يخرجون من المقابر، ثم يعودون إليها محملين بقطع خبز التقطوها من القمامة، استفزت الإيرانيين، ومنحت “حرکة مجاهدي خلق”، أکبر وأنشط حرکة معارضة بالبلاد، تأشيرة استهداف الحکومة.
الحرکة المعارضة طرحت مقارنة لاقت رواجاً واسعاً بين حالة سکان المقابر وبين مقبرة خميني التي فاقت کلفتها 6 مليارات دولار منذ إنشائها في 1989.
صورة تقف علی طرفي نقيض، ولخصت الطبقية الفجة التي تقسم المجتمع الإيراني إلی برجوازية کبيرة متعفنة تشمل رؤوس النظام، وبرجوازية متوسطة وأخری صغيرة، فيما يتأرجح جزء کبير من الشعب بين الفقر والفقر المدقع.

 
الحرکة المعارضة رکزت في هجومها علی النظام علی تقارير إعلامية قالت إن حسن خميني حفيد آية الله خميني، استضاف سکان المقابر في مقبرة خميني التي يقول مطلعون إنها أغلی ضريح في العالم.
استضافة غريبة نوعاً ما، في وقت کان من الممکن أن يکون فيه حفيد خميني أکثر کرماً مع هؤلاء الفقراء، بدل الاکتفاء بنقلهم من مقابر “شعبية” إلی أخری “ملکية”.
واتهمت “حرکة مجاهدي خلق” حسن خميني بأنه يحاول خداع هؤلاء الفقراء باستضافتهم في قبر جده الفاخر، في حرکة دعائية لا معنی لها، بل أججت الاحتقان والغضب الشعبي علی حکومة فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية، وبات سکانها يأکلون من القمامة، ويبيتون مع الأموات.
العدالة الاجتماعية للفقراء التي دافع عنها مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية خميني، بعد أيام من عودته عام 1979، من منفاه في باريس إلی طهران، بقوله: “إني أفضل شعرة في رأس سکان الأکواخ علی جميع أصحاب القصور”.
شعارات لم تخلُ منها جميع خطاباته، تماماً کما لم تخلُ من وعود بالدفاع عن “المستضعفين”، وتوفير المياه لهم والکهرباء وغيرها من الامتيازات.
لکن اليوم، يرقد خميني في قبر يعتبر الأعلی کلفة في العالم، وفي مکان آخر من بلاده، يرقد فقراء من الأحياء في المقابر، وما بين التاريخين، تنساب عقود طويلة سقط خلالها ملايين الإيرانيين تحت خط الفقر نتيجة صراع غير متکافئ مع أغنياء السلطة والبطالة والغلاء والتضخم.
 

وفي 6 يوليو/ تموز الماضي، قال محمد مخبر دزفولي، رئيس قيادة خميني، إن “حالة الفقر المدقع في البلاد غير مألوفة أبداً، حيث يوجد 12 مليون شخص تحت خط الفقر المطلق (الحرمان الشديد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية)، وبين 25 إلی 30 مليون شخص تحت خط الفقر النسبي (عدم قدرة الإنسان علی أن يعيش بنفس المستوی المعيشي الذي يعشيه من حوله في المجتمع)”.
أرقام فندها خطيب جمعة مدينة “شاهين دج” الکردية المحتلة الواقعة شمالي إيران، مشيراً إلی أن الأرقام الحقيقية تتحدث عن 56 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر.

برجوازية مع وقف التنفيذ


طبقة من الأثرياء الجدد، ظهرت في السنوات الأخيرة بإيران. أثرياء يقفون في الخط الفاصل بين البرجوازية والطبقة العاملة، لأن معظمهم کان من الفقراء أو الطبقة المتوسطة قبل أن ترفعه صدفة أو تجارة أو تودد إلی أحد أصحاب النفوذ في البلاد.
برجوازية مستحدثة أو البرجوازية الصغيرة کما يسميها الإيرانيون، ويمکن بيسر تمييز المنتمين لهذه الطبقة من خلال إسرافهم في النفقات وابتياع السلع الباهظة، وکأنهم يحاولون بذلک محو ماضيهم المتواضع، وإيهام الناس بأنهم ولدوا أغنياء.
 

ففي طهران علی سبيل المثال، يمکن لأصحاب سيارات الأجرة تمييز الطبقة التي ينتمي إليها زبائنه بسهولة، إذ يکفي أن ينطق الراکب بالتحية ليدرک السائق دون عناء أنه من طبقة فقيرة، لکن في حال صعد الراکب، وتحدث للسائق بطريقة فوقية مغرقة في تکبر أجوف، فذلک دليل علی أنه من البرجوازية الجديدة. 
فبالنسبة لهذه الطبقة، فإن التکبر وعدم إلقاء التحية يمنحهم شعوراً بالاختلاف وبالفوقية، ويجاهدون من أجل أن يبدو انعکاسهم في أعين الناس شبيهاً بالشخصيات السياسية التي يرونها في التليفزيون، فيتجاهلون غيرهم من الناس، وإن تحدثوا في هواتفهم المحمولة، فلاستعراض مجد وهمي وعلاقات کاذبة لم تربطهم يوماً بالحکام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى