مقالات

صـرخـة إلـی الضـمائـر الحـية


دسمان الکويتية
6/12/2013
  بقلم: إبراهيم ميرسيدي


إني سيد إبراهيم مير سيدي 50 عمرًا أحد سکان سجن ليبرتي. کنت أنشط فعالـًا في فترة شبابي متزامنـًا مع ثورة الشعب الإيراني المناهض لـ”شاه“ وأبحث عن عالم جديد آخر لبلادي وشعبه. آنذاک کان خميني نقطة ارتکاز آمال الشعب لإيجاد مجتمع ديقراطي حديث إلا أنه ومنذ وصوله إلی السلطة مباشرة خان تلک آمال الشعب حيث لم يبق لنا طريقـًا سوی المقاومة والنضال ضده.
اعتقلت عام 81 لمعارضتي سياسة الغدر والخيانة التي انتهجتها أجهزة خميني الحکومية ضد الشعب وقضيت نحو أربع سنوات في زنزانات لسجون نظام خميني.
وبعد إطلاق سراحي من السجن کنت أتعرض يوميًا للأذی والمضايقات من قبل النظام غير أن محن ومعاناة شعبي المظلوم کانت أکثر أذی ومرارة بالنسبة لي فلذلک قررت أن أوصل صرخات شعبي المکتومة في حناجرهم إلی آذان العام مهما کلفني الثمن.
أجل کنت أريد أن أکون صوتـًا. صوت الشباب الذين ربطوا أمام عيوني بأسرة التعذيب. صوت النساء البريئات اللواتي تعرضن خفيًا لانتهاکات في سجن ”إيفين“ و ”قزل‌حصار“ و”غوهردشت“. وصوت الأمهات الثکلی اللواتي کن يصرخن صرخة واويلتاه في رثاء أبنائهن. وکان عليّ أن أوصل هذا الصوت إلی آذان الضمائر البشرية الحية في کل مکان وفي کل بلاد. فلذا التحقت برفاقي وزملائي في ”أشرف“ حيث تعرفت هناک بنساء شجعان ورجال مخلصين. أحد هؤلاء الرجال الکبار کان صديقي وصاحبي في عزلتي المهندس ”حميد باطبي“.
کان حميد رفيقـًا ومساعدًا ودليلـًا لي في کل أعمالي وواجباتي اليومية. کان حميد ملجئي في الضراء وأنا أعد نفسي مدينـًا له ولفدائه وتضحيته. حينما کنت مريضًا راقدًا علی الفراش کان يراقبني بکل حنان وشفقة. وفي حاله تعرضي لأي مشکلة أو صعوبة کان ينصحني بتجاربه الطويلة الغالية ويساعدني في حل المشاکل والصعوبات… لا يتسع هذا الکلام لنقل قصة عملي المشترک في ”أشرف“ مع ”حميد باطبي“ لفترة 25 سنة.
تلقيت فجر يوم الـ1 أيلول/سبتمبر خبر استشهاد 52 شخصًا واختطاف 7آخرين کرهائن إثر الهجوم الوحشي للقوات الخاصة للمالکي علی مخيم أشرف وکان صديقي القديم ومعلمي المألوف ”حميد“ أحد هؤلاء الشهداء. أصبت بالحيرة والعجب. کنت أناجي لنفسي «کم دامي احمرار فلق اليوم!»
کان صديقي ”حميد“ طالبًا في إيران مکرسًا حياته إمدادًا للشعب الإيراني الفقير. کان يتمتع ”حميد“ بذکاء وافر حيث کان بإمکانه أن ينال أعلی شهادات جامعية ويستلم المناصب الحکومية في نظام خميني إلا أنه ترک کل ذلک ليکن نداء شعبه.
وکم من الصعب أن يصحو مرء صباح يوم ويسمع خبر استشهاد صديقه وإطلاق طلقات الرحمة علی رأسه ووجهه! کنت أحس بأن عقارب الساعة وقفت في لحظات باحثـًا عن أنيس ليطمئن قلبي بحديث معه …
وشاهدت أنهم يطئون دماء هؤلاء الشهداء الـ52 وکذلک يتسترون اختطاف 7 آخرين. لعلهم يريدون أن لايبقی ذکر عن ”حميد“ وهؤلاء الـ7؟ لعلهم يريدون أن نبکي أنا ونحن في رثائهم ولا ننبس ببنت شفة؟
لم أجد حلـًا سوی أن أطلق نداءً داعيًا للعدالة في حين فرض المالکي حصارًا جائرًا همجيًا علينا في سجن ليبرتي حيث باتت کل الطرق إلی الخارج مسدودة أمامنا. وإني لم أملک وسيلة وسلاحًا لإيصال صوت احتجاجي وصرختي الداعية إلی الحق فخضت الإضراب عن العطام برفقة سائر أخواتي وإخوتي رغم أنني کنت أعرف أن هذا الطريق طريق صعب طويل أتحمل فيه الجوع والکدح والآلام لکن …
أجل، إننا نصرخ وفي کل يوم وساعة بملء فينا مخاطبًا أصحاب القرار: تريثوا لحظة واخجلوا ذرة! لماذا أغمضتم عيونکم علی الجريمة السافرة هذه؟ أيها الضمائر الحية والشريفة في کل أرجاء المعمورة! اسمعوا نداءنا وقوموا بمعونتنا ونصرتنا! فسيکون الغد متأخرًا! أيها الأحرار! إني أتطلع إليکم وصرخاتکم احتجاجـًا علی هذا الظلم وهذه الجريمة ضد الإنسانية وأطالبکم بإرغام حکومةالمالکي لتفرج عن الرهائن الـ7 الذين هم الآن قابعون في سجونها السرية متمنيًا معونتکم ونصرتکم. إن صمت المساومين وتقاعس أمريکا والأمم المتحدة يعذبني أکثر من آلامي في جسدي إثر الإضراب عن الطعام. إلی متی نکث التعهدات الموعودة؟ هذا يشکل عارًا وإهانة للبشرية ولأرواح 60مليون شخص بنی علی أساسهم الدستور العالمي للأمم المتحدة الذي تفيد فقرته الأولی الالتزام بحقوق الإنسان.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى