أخبار العالممقالات

الدعاية المضادة للضربة الأميرکية

 

 

الشرق الاوسط
 9/4/2017

 

بقلم: عبدالرحمن راشد

 

جاءت ردود الفعل من طهران وموسکو ودمشق، تماماً کما هو متوقع؛ بيانات شاجبة للقصف الأميرکي لمطار الشعيرات العسکري، رداً علی جريمة القتل الجماعي بالکيماوي الذي ارتکبه النظام السوري. کان هذا في النصف الأول من نهار يوم الجمعة، اليوم الذي استيقظ الناس فيه هنا علی مفاجأة الموقف الأميرکي الجديد.
لاحقاً، في ذلک اليوم، أمطرت الدعاية الثلاثية؛ الروسية والإيرانية والسورية، الإعلام ووسائل التواصل بکميات کبيرة من الأخبار المزورة التي تشکک في حقيقة أن النظام هو من ألقی حقاً المواد السامة علی سکان مدينة إدلب، روجوا رواية تقول إن المعارضة هي من قصفت المنطقة، ثم رواية جديدة تدعي أن الطيران السوري بالفعل قصف مناطق «المعارضة الإرهابية المسلحة»، وصادف أنها أصابت مخزناً للإرهابيين فيه مواد کيماوية، مماثلة للتي استخدمها تنظيم داعش في العراق من قبل. أي أن المعارضة هي من ارتکب جريمة امتلاک السلاح الکيماوي المحرم دولياً. الرواية لم تصمد طويلاً إلا لدی المؤيدين أصلاً لمعسکر دمشق.
ثم عدلت الدعاية موضوعاتها في اليوم التالي، لمواجهة التطور الجديد، وهو ردود الفعل العربية الواسعة المرحبة بالموقف الأميرکي. فقد انقلب الموقف الشعبي العربي إلی مرحب وشاکر بعد أن کان غاضباً من إدارة الرئيس دونالد ترمب، بسبب أخبار اتهمتها بالتضييق علی المسلمين اللاجئين والمسافرين.
ورداً علی الشعور بالانتصار والفرح بالقصف الأميرکي انطلقت أخبار مکذوبة تدعي أن الضربة العسکرية الأميرکية مجرد مسرحية بالاتفاق مع روسيا. ونُشرت صور مزورة تظهر بعض الطائرات محروقة في داخل مخابئ خرسانية لم تتعرض للقصف، من أجل تکذيب رواية القصف الأميرکي. وانتشرت مجموعة أخری من الأخبار تعترف بالضربة، لکنها تقول کانت فاشلة لم تحقق شيئاً.
صحيح أن التأثير علی الرأي العام السوري والإقليمي جزء مهم من الحرب النفسية، لکنه ليس الحاسم. فالعمليات العسکرية عادة هي أعمال سياسية. وراء القصف الأميرکي رسائل سياسية موجهة للحکومات السورية والإيرانية والروسية. أما الرسائل للرأي العام السوري فتأتي في المرتبة الثانية. القصف دمر بضع طائرات وقتل ستة عسکريين من النظام، لکنه سيهز قناعة الموالين للنظام حتی لا يراهنوا عليه، وکذلک سيعطي جرعة من الأمل للمعارضة، بعد خيبات سياسية، وهزائم عسکرية، منيت بها في الفترة الأخيرة.
قصف مطار الشعيرات لن يوقف عدوان التحالف العسکري الموالي لنظام دمشق، بدليل أنه استأنف قصف المدنيين في اليوم نفسه إمعاناً في التحدي للجميع. ولن يغير موازين القوی علی الأرض. ومن المستبعد أن تليه هجمات عسکرية أميرکية جديدة، لأن تصريحات مندوبة واشنطن لدی مجلس الأمن حصرت احتمال التدخل العسکري لبلادها بمعاودة النظام السوري استخدام الأسلحة الکيماوية فقط، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.
الجديد والمهم هو التموضع السياسي، يبدو أن إدارة ترمب غيرت موقفها وقررت أن تکون طرفاً في الأزمة السورية، کما يبدو من تصريحاتها. ففي السابق کانت تقول إنها معنية فقط بمحاربة «داعش» في سوريا فقط. وبالتالي فإن النصر الذي أعلنته دمشق، وحلفاؤها، يبدو أنه أصبح بعيداً. إلی أسبوع مضی، کانت معظم القوی الإقليمية والدولية قد أعلنت، أو بلغت موافقتها، علی الحل السوري وفق رغبة موسکو، ففرضت بقاء الأسد وإنهاء المعارضة المسلحة. وجاء الهجوم الکيماوي، وکذلک الهجمات الأخری علی المناطق المدنية، والتصريحات المتعجرفة لمسؤولي الحکومة السورية ضد دول المنطقة، لتقلب مواقف الدول الأخری وتعيد التفکير في الوضع برمته. مرة جديدة أثبت نظام الأسد أنه لا يستطيع تغيير سلوکه، وهو المسؤول عن الانتکاسة الکبيرة، بغض النظر فيما إذا کان الإيرانيون والروس موافقين علی جرائمه.

زر الذهاب إلى الأعلى