أخبار إيرانمقالات

اللوبي الإيراني يقدم معلومات خاطئة للإدارة الأميرکية

 

 نقلا عن “الشرق الأوسط”
30/8/2017
 
بقلم:د.کريم عبديان بني سعيد

 

لقد مضی علی بدء رئاسة ترمب أکثر من 6 أشهر، ولا يزال العالم ينتظر رؤية ملامح سياسته تجاه إيران بوضوح، لکننا لغاية الآن لم نسمع شيئاً ملموساً، غير أن مرکزاً يمينياً للدراسات والأبحاث مرتبطاً مع الجمهوريين قدم تقريراً أولياً حول سياسة البيت الأبيض في هذا المجال، وکان موجزاً تنفيذياً له وليس أکثر.
وکشخص معني بالشأن الإيراني، ومتشوق لکشف سياسة ترمب المستقبلية تجاه إيران، بدأت منذ فترة بالبحث والاستفسار في واشنطن، لمعرفة ما إذا کان يمکنني العثور علی أي شيء في هذا الخصوص. لذلک في الأسبوعين الماضيين، بدأت بالتحرک للقاء بعض الزملاء السابقين من المدنيين والعسکريين في مختلف الوزارات والوکالات الحکومية للحصول علی آخر المستجدات حول سياسة ترمب تجاه إيران.
والتقيت خلال جولاتي، مع زملاء سابقين في الکونغرس الأميرکي ووزارة الخارجية والبيت الأبيض والبنتاغون ومؤسسات أخری، کما اجتمعت مع مسؤولين من کلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري وأساتذة جامعات يقومون بدراسات وبحوث حول إيران والشرق الأوسط.
وکانت الحوارات تدور حول کيفية وضع سياسة ترمب تجاه إيران. وهنا من الضروري أن أشير إلی بعض النقاط عن کيفية عمل الإدارة الأميرکية.
إن الإدارة الأميرکية باتت تفوض کثيراً من الوظائف لجهات وشخصيات خارج البيت الأبيض، وتکتفي هي بالإدارة والرقابة فقط، ويشمل ذلک نظام الأسلحة والاقتصاد والسياسات الخارجية والصحية والبيئية وغيرها. ومن خلال معرفتي المباشرة أعلم جيداً أن البنتاغون يتعامل أيضا ضمن عقود مبرمة مع الشرکات الأميرکية مثل بوينغ لبناء الطائرات الأميرکية، وجنرال إلکتريک لتصميم محرکات الطائرات، کما أن جنرال موتورز تقوم ببناء الشاحنات والدبابات، وجنرال ديناميک تصنع السفن، والصيغة ذاتها متبعة في صناعة القرار داخل الإدارة والکونغرس، حيث يتم الاستناد في کتابة القوانين علی مراکز الدراسات واللوبيات وتقاريرها المقدمة التي تمثل مصالح أطراف شتی، ومن ثم تتم مناقشة تلک المقترحات والتصويت عليها لاعتمادها کقوانين.
وفيما يخص الشأن الإيراني فهناک مراکز دراسات ولوبيات عديدة بعضها تعمل لصالح الجمهوريين وأخری للديمقراطيين، وتحظی تقارير ونفوذ هذه المراکز بأهمية کبيرة في رسم السياسات المستقبلية تجاه إيران.
ولقد اکتشفت من خلال متابعتي أن معلومات الأميرکيين لم تتغير کثيرا، خلال السنوات الخمس الماضية منذ أن غادرتُ العمل الحکومي، فيما يخص الشأن الإيراني.
وبسبب اهتمامي بالسياسة، وکوني من عرب إيران ومسلم، کثيراً ما کانت تتم استشارتي بشأن حقوق الإنسان، وقضية الأقليات العرقية والدينية وديناميتها في إيران، وبما أن الولايات المتحدة لم تکن لديها سفارة في طهران منذ ما يقرب من 40 عاما، فقد کان ذلک مصدراً مهماً للمعلومات.
وخلال عملي مع العديد من الخبراء الأميرکيين عن قضايا إيران منذ إدارة ريغان إلی الرئيس بوش الوالد إلی کلينتون وبوش الابن – ما عدا فترة أوباما الذي فضل التشاور مع اللوبي الإيراني في واشنطن – واکتشفت أن معرفتهم بالشأن الإيراني وخاصة حول المسائل الاجتماعية والسياسية والديموغرافية والأقليات والدين والمذهب والمعارضة قليلة وخاطئة وخطيرة بالوقت نفسه، رغم امتلاک الولايات المتحدة أدوات وتقنية تمکنهم من معرفة ما يجري في غرف النوم والأمور العسکرية وتفاصيل أخری في إيران!
والملاحظ أن النقص نفسه في توفير المعلومات موجود وربما ازداد سوءاً. إن الرئيس ترمب، علی عکس أوباما، يرغب في إسقاط الملالي، ووصفه بأنه مصدر للإرهاب وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وصرح وزير خارجيته تيلرسون، بأنهم يتمنون أن تطيح المعارضة بنظام طهران. لکن رغم کل هذا، يمکنني القول إنه لا توجد لدی الحکومة معلومات دقيقة وکافية عن جماعات المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، ولا عن قدراتهم لمواجهة النظام وإسقاطه، کما أنه لا توجد لديهم معلومات محدثة عن الکيانات السياسية المنتهية الصلاحية والإحصاءات والأرقام التي بحوزتهم ليست مؤکدة وجُمعت من مصادر مفتوحة، ومن المؤکد أنه ليس لديهم أي معرفة بقوة الأقليات العرقية والإثنية التي ربما يمکنها أن تشکل تحديا جديا للنظام بثقلها الديمغرافي الذي ربما يصل لنصف سکان إيران، ووعيها المتنامي وتفانيهم في الدفاع عن حقوقهم، ففي المناطق العربية والکردية والبلوشية مثلاً توجد مقاومة ضد النظام الإيراني يمکنها أن تلعب دوراً مؤثراً في إسقاط النظام، إذا ما استثمرت إمکانياتهم بصورة صحيحة، رغم معاداة اللوبي الإيراني الموجودة في أروقة الإدارة الأميرکية والمعادي لقضايا هذه الشعوب غير الفارسية. کما أن اللوبي الإيراني في أميرکا يعارض أي تغيير جذري في نظام إيران، ويقدمون معلومات خاطئة للإدارة الأميرکية، بحجة أن إسقاط النظام سيؤدي إلی تقسيم إيران.
ومن ناحية أخری، فإن مراکز الدراسات والجامعات في أميرکا، وخاصة بعد نزوح نخب الحرکة الخضراء إلی أميرکا صارت تعيد وتکرر المعلومات والتقارير المقدمة من قبلهم دون أي محاولة للتوصل لأفکار جديدة.
لذلک يجب علی الأطراف المستهدفة من قبل سياسات طهران التوسعية والتي تعول علی الإدارة الأميرکية للتصدي لإيران، وتقديم معلومات لها للحفاظ علی أمنها ومواجهة الأطماع الإيرانية، أن تأخذ زمام المبادرة، وتسعی بنفسها للقيام بهذا الدور، وتبني علاقة أوثق مع المعارضة الإيرانية بشتی صفوفها. فالولايات المتحدة بما نشهده من نقص في المعلومات المتوفرة لديهم في کل المجالات السياسية والاجتماعية، وعدم امتلاکها سفارة في طهران، وفشل سفاراتها في تقدير الأمور والتکهن بها في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا، لا يمکنها أن تلعب دوراً بارزاً في هذا المجال. وربما حان الوقت لکي تعتمد دول المنطقة علی نفسها، وتقوم بالبحث والتخطيط ودعوة مستشارين وخبراء لجمع المعلومات والأرقام عن إيران، لامتلاک زمام المبادرة في المواجهة مع نظام الملالي. ويبدو أن الأيام القادمة لن تشهد سياسة أميرکية أفضل من التي نشهدها. وعلی خلفية الخلافات الموجودة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول موقفها تجاه طهران، ورغبة الأوروبيين للاستثمار في إيران وزيارة مورغيني الأخيرة للعاصمة الإيرانية، فإن سياسة البيت الأبيض المستقبلية تجاه طهران سوف تکون الترقب والانتظار وتوقع المعجزة، وهذا ما يبرهن أهمية التحرک المحلي للدول التي تستهدفها طهران بسياساتها التوسعية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى