مقالات

هل ستقع حرب بين السعودية وإيران؟

 

 

الحياة

6/6/2015

بقلم:جمال خاشقجي

 

 من الخطأ النظر إلی «عاصفة الحزم» کمجرد عملية عسکرية سعودية عابرة ضد الحوثيين. إنها سياسة سعودية تجمع بين الديبلوماسية والحرب لوقف ثم دفع النفوذ الإيراني خارج شام السعودية ويمنها. قيل ذلک غير مرة. ولکن أين ستتوقف هذه السياسة الخطرة وهل لها حدود حمراء، ثم إلی أي مدی ستقبل إيران هذه الصفعات السعودية المتتالية عليها في الشام واليمن، وما هو موقف الدول العظمی منها؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستساعد في الإجابة عن سؤال «هل ستقع حرب بين السعودية وإيران؟» ولکن هل يستحق التغول الإيراني في المنطقة هذه المخاطرة والتي تکلف المملکة الکثير مادياً، مع خطر حرب مفتوحة مع إيران؟ أعتقد أن معظم السعوديين سيجيبون بنعم، ولکن لنستمع إلی محلل کفوء مثل هنري کيسنجر وزير الخارجية الأميرکي الأسبق والسياسي العتيد وکيف يری الصراع بين البلدين. يقول في کتابه «نظام العالم»، الذي صدر العام الماضي قبيل «عاصفة الحزم» والتحول الهائل في السياسة السعودية، «الصراع مع إيران بالنسبة إلی السعودية وجودي، إنه يشمل استمرار المملکة، وشرعية الدولة، وبالتأکيد مستقبل الإسلام».

وعلی رغم أن المملکة لا تمارس سياسة عدوانية أو اقتحامية تجاه إيران ودائرة مصالحها الاستراتيجية، فإن الإيرانيين يتصرفون کما لو أن التوصيف الذي استخدمه کيسنجر يسري عليهم أيضاً، فالرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي کان عراب الانفتاح السعودي – الإيراني في التسعينات وبدا «صديقاً» للمملکة، أدلی بتصريحات ضدها الأسبوع الماضي لا تقل حدة عن أي متطرف إيراني في «الحرس الثوري»، بينما هدد قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بطل المغامرات الإيراني في العالم العربي بمفاجآت يعدها جيشه «والقادة العسکريون السوريون (کان عليه أن يقول من تبقی منهم) خلال الأيام القليلة المقبلة»، فما الذي في جعبتهم؟ هل سيقومون بإنزال بحري في الساحل السوري لحمايته من تقدم الثوار أم إرسال فرقة کبيرة من الجيش الإيراني هناک لحماية الدويلة العلوية التي يريدونها موطئ رجل لهم في «شامنا»؟ لا أعرف ما هو الرد العسکري السعودي علی حماقة کهذه، ولکنني متأکد أن المملکة ومعها ترکيا ترفضان وفي شکل قاطع أي وجود إيراني مباشر هناک أو تقسيم لسورية، وبالتالي يمکن اعتبار «مفاجآت سليماني» إحدی نقاط التماس التي قد تؤدي إلی مواجهة مباشرة سعودية – إيرانية، تضاف إلی نقطة تماس اليمن، وثالثة تلوح في الأفق البعيد في الموصل.

وکذلک لن تقبل المملکة أي موطئ قدم لإيران في اليمن ولو کان علی مساحة صعدة وحدها، وهذا يفسر الموقف السعودي حيال المفاوضات الجارية. موقفها بکل بساطة، ليعش الحوثيون کيفما أرادوا في بلادهم، ولکن يستحيل أن تقبل بهم قوة مهيمنة علی الحکومة المرکزية هناک والتي لا بد أن تکون تعددية وتشارکية.

السعودية لا تريد بالتأکيد مواجهة مفتوحة مع إيران لإدراکها کلفتها الباهظة، وکذلک إيران لنفس السبب، ولمعرفتها وعن تجربة، أن الميزان العسکري خصوصاً في سلاح الجو ليس في مصلحتها، کما أن المملکة تتميز عن إيران بتحالفها مع عدد من الدول العربية والإسلامية مستعدة للدفاع عن بلاد الحرمين، ولکن لدی البلدين أيضاً من الأسلحة ما يکفي لتدمير قدراتهما معاً، وبقدر ما في هذا من تهديد مشترک فإنه أيضاً عامل ردع مهم.

إيران تفضل «الحرب بالوکالة»، ولکن هذه الحروب لم تعد تماماً «بالوکالة»، بعد «عاصفة الحزم» واقتراب البلدين من نقاط تماس خطرة، فحلفاء إيران في اليمن يتعرضون ليل نهار لحرب تقودها المملکة ضدهم حتی يجنحوا للسلم، والشفرة اقتربت من رقبة حليفي إيران في سورية ولبنان، وحان الوقت أن تتخلی عنهما بصفقة ما أو تنفذ ما وعد به قاسم سليماني من «مفاجآت».

کما يجب أن تعلم إيران أن السعودية لن تتراجع عما بدأت به، وهي ماضية حتی النهاية أي نصر کامل، وإن کانت مستعدة لحلول ديبلوماسية في اليمن فتنتظر باهتمام ما ستسفر عنه مفاوضات مسقط مع الحوثيين والتي تجري برعاية أميرکية، وفي نفس الوقت لم تخفف سخونة عملياتها العسکرية ضدهم في اليمن، وکانت حريصة أن تبلغ الإيرانيين أن مبدأ «خط فهد» لا يزال قائماً، وهذا المبدأ لمن لا يعرفه هو خط وهمي رسمته المملکة في منتصف الخليج العربي من الشمال إلی الجنوب خلال الحرب العراقية – الإيرانية. فهد هو العاهل السعودي الراحل، وأبلغت طهران أنها ستسقط أي طائرة عسکرية إيرانية تتجاوزه من دون أي إنذار، وهو ما حصل تماماً في 5 حزيران (يونيو) 1984 عندما تجاوزته طائرتا «أف – 4» إيرانيتان فتصدت لهما مقاتلات سعودية من طراز «أف – 16» وأسقطتهما في مياه الخليج. بعد تلک الحادثة احترمت إيران «خط فهد» بشکل کامل ولم تحاول أن تتجاوزه طوال العقدين الأخيرين، حتی قبل أسبوعين عندما حاولت طائرة مدنية إيرانية الهبوط عنوة في مطار صنعاء ثم أعقبت ذلک بمحاولة إدخال سفينة قالت إنها تحمل مواد إغاثية في ميناء الحديدة، وفي المرتين تصدت المقاتلات السعودية للطائرة والبحرية للسفينة وردتهما بعدما لوحت لهما بالقوة، وقامت بإبلاغ إيران أن «خط فهد» لا يزال قائماً بل امتد حتی اليمن، وأن المملکة لن تتردد في التصدي لها إن حاولت تجاوزه.

في کلتا الحالتين مارست إيران سياستها الشهيرة «حافة الهاوية»، وکان يمکن لخطأ غير مقصود کأن تتلامس أجنحة الطائرة الإيرانية بالمقاتلة السعودية فيحصل ما لا يحمد عقباه، فتسقط الطائرتان، ومعهما ضحايا، فيشتعل غضب شعبي مکبوت في البلدين فيدفع إحدی الحکومتين أو کلتيهما نحو حرب ومواجهة لا يريدها عاقل، ولکن لمنع ذلک من الحصول لا بد أن يمنع العاقل مجنونه الذي يريد أن يسجل انتصاراً تلفزيونياً سخيفاً.

بعيداً عن السعودية وإيران، فإن المجتمع الدولي وعلی رأسه الولايات المتحدة لا يريد کابوساً أسود کهذا أن يقع لتداعياته الهائلة علی الاقتصاد العالمي، وهنا ستتفق حتی الصين مع الغرب في کراهية أمر کهذا، ولعل هذا يفسر الضغط الأميرکي للتوصل إلی اتفاق سلام في اليمن، فکانت هي الداعية والراعية للمفاوضات الجارية الآن في مسقط مع الحوثيين، ولاحظ أنها وعمان هما من يتولی المفاوضات بينما المملکة والحکومة اليمنية تنتظران وتراقبان.

التورط الأميرکي في الأزمة جيد، ولنترکها تتعرف إلی الحوثيين «بالطريقة الصعبة»، وهم تعلموا من الإيرانيين قدراً طيباً من فنون الکذب والتسويف والمراوغة، وحينها ستظهر حقيقتهم مرة أخری للمجتمع الدولي ما يجعلهم يتفهمون الموقف السعودي. ولتجرِ مفاوضات في جنيف بين الحکومة اليمنية والتي يجب أن تتمثل فيها کل الأحزاب اليمنية خصوصاً الفعالة منها والحوثيين، سيطلب اليمنيون قبل السعوديين من الأمم المتحدة إلزام الحوثيين وصالح بوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين وحرية العمل السياسي، وهذا لا يعني سوی انتصار المقاومة الشعبية اليمنية، وهو أمر لم يتحقق إلا بالحرب أو التلويح بحرب أکبر من قبل المملکة.

الحروب دوماً قبيحة، ولکن الحرب العادلة ضرورية أحياناً من أجل السلام.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى