أخبار إيران

”شَکَر” وصديقتها
محمد إقبال

”شَکَر” وصديقتها

 

محمد إقبال

استلمت رسالة من السيدة هنکامة حاج حسن التي تعيش مع الف أمرأة مجاهدة ضمن 3400 عضو في مجاهدي خلق الإيرانية في مخيم أشرف بمحافظة ديالی العراقية. وقد شرحت في هذه الرسالة محاولة فاشلة لخطفها من قبل القوات المسلحة العراقية. وذکرتني هذه الرسالة بکتاب کنت قد قرأته قبل سنوات بقلمها وعنوانه ”مواجهة الغول!” وتحکي الکاتبة فيه فترة ثلاثة سنوان قضتها في سجون النظام الإيراني في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وما أثارني هو اهداء الکتاب حيث أُهدي الکتاب إلی «”شَکَر” وسائر الأخوات المجاهدات من أمثالها، حاملات راية الحرية، المجهولات اللواتي نهضن لمواجهة الغول الحاکم في إيران المعادي للمرأة والإنسانية وجها لوجه وحافظن علی حرمة الإنسان وجوهر الحرية». وهذه السطور البسيطة کانت حافزة لي لأقرأ الکتاب واعرف ”شَکَر”.
و”شکر” اسم للمرضة التي اعتقلت في مسشتفی بطهران بسبب معالجتها جرحی ومصابين بطلقات نارية في مظاهرة لمجاهدي خلق الإيرانية يوم 20 يونيو 1981 شارکت فيها جموع نصف مليون شخص في العاصمة وهي نفس المظاهرة التي أمر فيها الخميني باطلاق النار علی المتظاهرين المسالمين وکانت ”شکر” کما کتبت ”هنکامه”، ممرضة مؤيدة لمجاهدي خلق معجبة بـ مسعود رجوي وکانت عاشقة ومتحمسة جدًا علی النضال ضد الملالي المسيطرين في وطنها. وورد إسم ”شکر” في کتاب ”هنکامه حاج حسن” اکثر من مرة وکأن الکتاب حول ”شکر” بدلا أن يکون مذکرات لفترة سجنها.
وتتحدث الکاتبة في مذکراتها عن السجن وشوقها لزيارة ”شکر” کثيرًا وتقول منذ آذار سنة 1983، نقلوا عددا من النساء السجينات المقاومات من أمثال ”شکر” للتأديب إلی مکان مجهول ومنعوهن من الزيارة ولم يکن مکانهن معروفا وفيما بعد أصبح واضحا أنهم قد نُقلوا إلی أماکن التعذيب الخاصة وهي سجن سري رهيب وتعرف باسم ”واحد مسکوني”. وتحکي ”هنکامة” أول زيارة لـ ”شکر” في السجن بعد عودتها من ”واحد مسکوني” قائلة: ”کنت أنظر إليها، فکانت تبدو لي حزينة ومتعبة وقد أصبحت نحيفة جداً وسرحت شعرها علی شکل (ذيل الحصان) نفس الشعر الذي کنت أصففه لها ثم أعکشه فکنت أثير حفيظتها، کذلک مازال مرتباً ونظيفاً، رفعت يدي وعکشت شعرها وسألتها ثانية هل وضعک جيد؟ وبينما کانت تنظر إلي بعيونها الباکية کانت في حالة عدم تصديق، ابتسمت وهزت رأسها، حينما کانت تمر من أمامنا إحدی السجينات نظرت ألينا وابتسمت بمحبة ومضت، تعقبتها شَکَر بنظراتها وفي نفس الوقت قالت لي بصوت خافت، هنکامة! لا تثقي بهن! لا تثقي بأي شخص قط! ثم قالت ثانية وبصوت خليط بنشيج البکاء متعب ومنتحب، ويبدو أنها تذکرت شيئاً لإثبات کلامها إذ قالت: (إنهم کانوا يريدون أن يقتادوا والدتي إلی هنا، ليفعلوا ما يحلو لهم، أمي المسکينة، هنا..إلهي..! جرت دموعها وبينما کنت أهدئ من روعها وأمسح دموعها، قلت شکر ما الذي حدث، ماذا فعلوا بک؟ من يريد أن يقتاد أمک إلی هنا؟ قالت: هؤلاء بالذات! أدرکت أن وضعها غير طبيعي وقد أصيبت باضطراب وحزن شديدين”. نعم هي أيضا قد فقدت توازنها النفسي ولکن ما زالو لم يتمکنوا من تحويلها إلی جثة هامدة”. وعلی الرغم من کل التعذيب الذي تعرضت له شکر مازالت لم تنسی مسعود [رجوي] ومجاهدي خلق وبقيت تعايشهم في ذهنها وقلبها. وبالرغم من أن ”شکر” کانت تمضي فترة حکمها في السجن تم اعدامها شنقا في عنفوان شبابها في مجزرة ثلاثين الف سجين سياسي اعضاء مجاهدي خلق في صيف عام 1998.
ويطلق سراح هنکامة بعد تحمل 3 سنوان من السجن والتعذيب وتنضم إلی مجاهدي خلق وهي الآن في ”أشرف” المکان الذي حضره الآن ومنذ شهرين و نصف عملاء مخابرات حکام إيران وقوة ”القدس” الإرهابية المرابطين في مدخل مخيم أشرف ويقوم هؤلاء العملاء وبدعم وإسناد شاملين من الفوج العراقي المکلف بحماية أشرف!!، وسفارة النظام الإيراني في بغداد بالتعذيب النفسي لسکان أشرف ويمنعوننا من النوم والراحة ويوجهون إلينا تهديدات سافرة بـ ”إحراق” و”إغلاق” المخيم و”قتل” المجاهدين و”اقتلاع ألسنتهم من حلوقهم”. وإن هذه السيدة وعدد من المقيمين في المخيم الذين يقع مکان تمرکزهم بالقرب من الباب الرئيسي کانو يقومون ببث قطع موسيقية لکي يمنعوا من ايصال شتائم هؤلاء إليهم. وفي فجر الجمعة 16 من أبريل يحدث تطور خطير في الموقف:
وتکتب هنکامة في رسالتها: ”شاهدت ضباط عراقيين دخلوا وهم يأمرون بإخماد مکبرات الصوت التي کانت تبث أشرطة من علی مبانينا داخل أشرف لکي يفسحوا المجال أمام العملاء لإيصال صوتهم بمکبراتهم إلی کل أنحاء المخيم.. تقدمت وقلت إن واجبکم هو حمايتنا وليس حماية العملاء الذين استقدمتهم ”الاطلاعات” الإيرانية. وفجأة رأيت نفسي محاصرة من قبل العناصر المسلحة العراقية. حاولت الهروب وتمکنت فعلا ولکنه وبعد ثواني هاجمني عدد آخر من عناصر القوات المسلحة العراقية واقتادوني وکانوا يريدون أختطافي وأخذي کرهينة وفي هذه اللحظة وصل عدد من الأخوة المجاهدين وقاموا باحتجاج وتمکنت من الهروب من أيدي الاشخاص الذين واجبهم حمايتنا!!. ثم اقتحمت القوات العراقية صفوف سکان مخيم أشرف وانهالت عليهم بالضرب بالهراوات الکهربائية والقضبان الحديدية وهم يکيلون شتائم لنا ونتيجة هذه الضربات أصيب خمسة من إخواني. وفي هذه الأثناء کان العملاء يستمرون ببث الشتائم عن طريق مکبرات الصوت.”
وبقراءة رسالة هنکامة تذکرت مرة أخری ”شکر”، هذه الممرضة بتلک الملابس البيضاء والقبعة الجميلة کالملائکة ذات الأجنحة البيضاء التي کانت ترفع حمل الألم الثقيل من علی أکتاف المرضی وتضع المرهم علی جروحهم، وهي التي ضحت بنفسها من أجل حرية وطنها وشعبها. ولکن ”هنکامه” التي تمکنت من الهروب من مخالب الحرس الإيراني وتنقذ نفسها وتلجیء إلی العراق في جمع مجاهدي خلق، تتم محاولة لخطفها من قبل عناصر في القوات المسلحة العراقية وتتعرض حياتها هي وسائر النساء والرجال المقيمين في أشرف للخطر. وما علی الضمائر الحية الا أن تستيقظ و ترفع اصواتها وتضع الحکومة العراقية أمام مسئولياتها لتفادي حدوث کارثة أخری انسانية.. ورسالتي انا ايضا للاخرين بان يترکوا شيئا جميلا للتاريخ ليذکره الاخرين ورائهم والانسان إما أن يکون له دين ويخاف الله أو يکون حرا نبيلا في دنياه.
* کاتب سياسي إيراني-

زر الذهاب إلى الأعلى