العالم العربيمقالات

إيران وذاکرة الغرب الضعيفة

 

 

الوطن السعودية
6/7/2017
 
بقلم:محمد السلمي

 

البعض ما زال يری إيران عدوّا مستمرا، بسبب دعمها النظام السياسي السوري، وتهديدها الجيوبوليتيکي، وأنها مهدِّدة للمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، مما يشير إلی وجود خلط وربما مثالية غير واقعيةفي نهاية الأسبوع الماضي، اجتمع في العاصمة الفرنسية باريس،
في ندوة نظمها أحد مراکز الدراسات، عدد کبير من المسؤولين السابقين والباحثين الغربيين وغير الغربيين، من أميرکا وکندا وعدد من الدول الأوروبية والعربية، يبحثون مستقبل نظام ولاية الفقيه في إيران، في ظلّ ما تشهده الساحات الداخلية الإقليمية والدولية من تطوّرات، وذلک في ندوة نوعية عنوانها «إلی أين تتجه إيران؟»، قُبَيل عقد مؤتمر منظمة «مجاهدي خلق» الذي حضره آلاف من مناصري المعارضة الإيرانية السبت.

وکنت أحد المشارکين في هذا المؤتمر، بصفتي مختصا بالشأن الإيراني، ورئيسا لمرکز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، وسأحاول في هذا المقال أن أنقل للقارئ العربي أهمّ النقاط التي ناقشها الباحثون الغربيون في المؤتمر.
يری بعض الباحثين أن الذاکرة الأوروبية ضعيفة عند الحديث عمّا فعلته إيران في دول أوروبا، خلال حقبة الثمانينات والتسعينات، إذ قُتل کثير من الأميرکيين والأوروبيين، الفرنسيين خصوصا، وممارساتها کثيرا من الأعمال العدائية ضد دولهم وشعوبهم.

ويعتقد باحث فرنسي آخر، أن کثيرا من الحکومات الأوروبية لا يُعَوَّل عليها، لأنها مرتبطة بمعاهدات اقتصادية مع إيران، لذلک فإن التعويل الأساسي علی أميرکا، خاصة في هذه المرحلة، مشيرا إلی أن وصول ترمب إلی الرئاسة هو ما سيغير شکل العلاقة مع إيران.
ويری آخرون أن الاتفاق النووي مع إيران لم يغيِّر السلوک الإيراني، وأن النقاط المصاحبة للاتفاق لم تنفذها إيران، بل علی العکس زاد معه دعم إيران للإرهاب وللنظام السوري، وأن المفاوضات الأوروبية مع إيران خفّفت نظرة أوروبا العدائية تجاهها، حتی أصبحت تنظر إلی ما تفعله إيران علی أنه غير مهدد لأوروبا.

من جانب آخر، يعتقد بعض المشارکين أن النظام الإيراني علی رأس المهددات، لأنه طوّر السلاح النووي، وخلق مأساة سورية، ومن ثَم فلن يکون سلام إلا بتغييره، موضحا أن إيران هي «البنک المرکزي للإرهاب الدولي» کما قال ترمب.
وأشار بعض الباحثين إلی أن في فرنسا مَن يعتقد أن إيران تخلت عن تطوير برنامجها النووي محاوِلةً الاندماج مع أوروبا، والتبادل التجاري معها، مما سينعکس علی الاقتصاد الأوروبي.

– لکن البعض ما زال يری إيران عدوّا مستمرا، بسبب دعمها النظام السياسي السوري، وتهديدها الجيوبوليتيکي، ويری أن إيران مهدِّدة للمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، مما يشير إلی وجود خلط وربما مثالية غير واقعية عند الحديث عن إيران.
ويعتقد بعض الباحثين أن إيران هي مخزن أسلحة الإرهابيين في الشرق الأوسط، وأن الإرهابيين أدوات لتحقيق أهدافها، ويری هؤلاء أن إيران تطور سلاحها النووي، لا لتهديد جيرانها فحسب، بل لتهديد العالم کله، لأن مدی الصواريخ يصل إلی کثير من دول العالم.
هناک شبه إجماع بين الباحثين المشارکين علی فکرة أن الأفضل هو سياسة احتواء إيران، مع مساعدة الداخل والمعارضة الإيرانية، لا تغيير النظام بالقوة العسکرية کما، حدث مع الاتحاد السوفييتي.

وأشار باحثون آخرون إلی أن سلوک الميليشيات الشيعية بنفس خطورة القاعدة و»داعش»، فأفضل صديق لبشار هو «داعش»، فهما وجهان لعملة واحدة، موضحين أن إيران لم تُظهِر السلوک السلمي بالتخلي عن سلاحها النووي، وأن العقوبات لن تزعزع إيران عن مساعيها.

وأوضح باحث آخر أن بزوغ نجم محمد بن سلمان، في مرکز صناعة القرار السعودي، يُعدّ محفزا ومنشطا عسکريا واقتصاديا للعالم العربي، وللولايات المتحدة الأميرکية التي وجدت فيه حليفا قويا في الترکيز علی التهديد الإيراني، أرهب إيران وجعلها تعيد حساباتها، وأوحی إليها بأنه حان وقت المواجهة الجادة والحساب.

الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، وفي کثير من دول العالم، وضعت کثيرا من نُخَب الغرب علی طريق فهم النظام الإيراني فهما صحيحا، مغايرا لِمَا تروّجه اللوبيات المدعومة من طهران، مِمَّا يشير إلی أن تخفِّي النظام الإيراني وراء الصورة الإعلامية والابتسامات المخادعة التي يحاول رسمها أمام العالم، أصبح مکشوفا للجميع. ولکن يبقی الأهم، وهو کيف يتم تطبيق کل ذلک علی واقع الأرض؟.

 

زر الذهاب إلى الأعلى