مقالات

ايران والخطة البديلة في سوريا…

 

 

 

 
انتهی النظام السوري في اليوم الذي خسر سنّة الأرياف الذين تحالفوا مع حافظ الأسد طويلا. ’حزب الله’ يحتاج أن يدرک هذه الحقيقة.
 


ميدل ايست أونلاين
5/6/2015

 

 

بقلم: خيرالله خيرالله

 


لماذا لا يقتنع النظام السوري بأنّه إنتهی وأنّ لا مجال أمامه سوی الرحيل ومحاولة إنقاذ من يمکن إنقاذه من العقاب؟
من الواضح أن ايران تبذل حاليا محاولة أخيرة لإنقاذ النظام. تفعل ذلک عبر الأخبار التي تنشرها هنا وهناک عبر أبواق معروفة تروج لحشود في منطقة قريبة من إدلب تستهدف استعادة المحافظة التي انسحب منها الجنود السوريون من دون مقاومة تذکر. هناک ترکيز علی أن الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” موجود في منطقة الساحل السوري لمنع سقوطها في يد الثوّار. هذا بيع للأوهام في ضوء عجز النظام عن تجنيد سوريين علی استعداد للقتال إلی جانبه.
إضافة إلی ذلک، يدلي قادة ايرانيون علی رأسهم مستشارون لـ”المرشد” علي خامنئي بتصريحات فحواها أن طهران لن تسمح بسقوط النظام السوري. کلّ هذا الکلام جميل، ولکن ماذا يدور علی أرض الواقع؟ هل في استطاعة ايران إنقاذ النظام السوري المرفوض من شعبه؟
هذا هو السؤال الأساسي الذي لا تتجرأ ايران علی الإجابة عنه بغض النظر عما إذا کان في استطاعتها تجنيد عشرات الآلاف من ابنائها للقتال في سوريا إلی جانب قوات النظام وميليشيات شيعية لبنانية من نوع “حزب الله” وعراقية من انواع وطرازات مختلفة.
شيئا فشيئا، تقترب لحظة الحقيقة التي يفرضها ما يدور علی الأرض. وهذا يعني في طبيعة الحال أن لا مجال لإنقاذ النظام السوري في حال کان مطلوبا أن يبقی هذا النظام علی رأس سوريا کلّها. ربّما في الإمکان إنقاذ النظام في حال تبيّن أن في الإمکان سيطرة ايران، عن طريق ميليشياتها، علی جزء من الأراضي السورية، بما في ذلک القسم الأکبر من الساحل. وهذا ما يفسّر إلی حد کبير ذلک الإصرار علی التخلّص من بلدة عرسال اللبنانية التي تشکّل حاجزا يحول دون ربط الدولة العلوية المفترضة بأراض يسيطر عليها “حزب الله” في منطقة البقاع اللبنانية.
ليس سرّا أنّ هناک توزيعا للأدوار بين “حزب الله” الذي لا مجال أمامه سوی تنفيذ التعليمات الإيرانية من جهة وأداته المسيحية التي يمثّلها النائب ميشال عون الذي يزايد بين حين وآخر في موضوع عرسال من جهة أخری.
کلّ ما في الأمر أن عرسال بلدة لبنانية سنّية. عدد سکانها نحو ثلاثين الف نسمة ولديها حدود طويلة مع الأراضي السورية. في الأشهر القليلة الماضية، لجأ “حزب الله” إلی تنفيذ عمليات عسکرية في الأراضي السورية، في منطقة القلمون تحديدا، متذرّعا بحجج مختلفة بهدف إخفاء هدفه الحقيقي… أي مساعدة النظام السوري علی إقامة الدولة العلوية، القابلة للحياة، لا أکثر ولا أقلّ.
کان من نتائج ما قام به “حزب الله” في الأراضي السورية أن قسما من السکان صار مهجّرا. لم يعد أمام السوريين، الذين إحتلّ “حزب الله” بلداتهم ومن بينها القصير، سوی اللجوء إلی عرسال.
تختزل الحملة علی عرسال ما تريده ايران في سوريا. ايران تعرف قبل غيرها أن لا مجال لإستعادة إدلب وجسر الشغور وأريحا، حتّی لو استعانت بـ”داعش” الذي هو حليف موضوعي للنظام السوري.
من خلال تصرّفات “حزب الله” وميشال عون ووزرائه، يتبيّن أن ايران مصرّة إلی أبعد حدود علی زج الجيش اللبناني في معرکة عرسال. الحجة المستخدمة أن البلدة صارت مأوی للإرهابيين. هناک ميشال عون الذي يدّعي أن المطلوب من الجيش شنّ عملية عسکرية في جرود عرسال مدّعيا أن المسلحين السوريين يسيطرون علی نحو أربعمئة کيلومتر مربّع من الجرود وأن هذا “احتلال” لأراض لبنانية.
مثلما فشلت ايران في غوطة دمشق ومثلما فشلت في إدلب، ستفشل ايضا في القلمون، لا لشيء سوی لأن القتال الدائر هناک هو قتال مع أهالي المنطقة المهجّرين من بيوتهم وقراهم وبلداتهم. عرسال ضحيّة وليست طرفا معتديا علی أحد، خصوصا علی جوارها الشيعي الذي يسعی “حزب الله” إلی تعبئته لمواجهة أهالي البلدة. نعم، أهل عرسال ضحيّة، خصوصا بعدما إضطروا إلی استضافة عشرات آلاف السوريين من المساکين الذين طردهم النظام و”حزب الله” من بيوتهم.
تکمن مشکلة ايران بکلّ بساطة في أنّها لا تعرف الکثير عن سوريا. إعتقدت أنّه سيکون في استطاعتها تغيير طبيعة المجتمع السوري، علی غرار نجاحها في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان. راهنت في سوريا علی نظام إنتهی منذ فترة طويلة. إنتهی النظام في اليوم الذي خسر سنّة الأرياف الذين تحالفوا مع حافظ الأسد طويلا.
کان حافظ الأسد يکره سنّة المدن. أقام نظاما يعتمد إلی حدّ کبير علی سنّة الأرياف بهدف إيجاد توازن معيّن يغنيه عن سنّة المدن الکبيرة، أي سنّة دمشق وحلب وحمص وحماة. کانت قصة حزب البعث، منذ وصوله إلی السلطة في سوريا والعراق، قصة مرتبطة بترييف المدينة وطرد ابناء العائلات الکبيرة من البلد في حال العجز عن تدجينهم.
ستخسر ايران سوريا عاجلا أم آجلا. من الصعب، بل لا مجال لتنفيذ الخطة البديلة، أي خطة الدولة العلوية التي تمتلک ممرّا إلی البقاع اللبناني حيث “حزب الله”. کلّ ما تستطيع ايران عمله، هو التمسّک ببشار الأسد بغية المساهمة في تفتيت سوريا أکثر مما هي مفتّتة.
في الواقع، هناک خدمة وحيدة تستطيع ايران تقديمها لسوريا والسوريين ولبنان واللبنانيين. تقوم هذه الخدمة علی التصرّف بطريقة طبيعية تأخذ في الإعتبار أن سوريا للسوريين ولبنان للبنانيين. النظام السوري لا علاقة له بالشعب السوري. أمّا بالنسبة إلی لبنان، فإنّ “حزب الله” ليس الممثل الشرعي للبلد. للبلد حکومته وجيشه. ويفترض أن يکون فيه رئيس للجمهورية، لولا إصرار طهران علی تغيير النظام. الوجود الإيراني في سوريا مصطنع، کذلک الأمر في لبنان وذلک بغض النظر عن مساحات الأراضي التي استحوذت عليها ايران في البلدين.
کلّ ما عدا ذلک، يصبّ في سياق محاولات يائسة لا تفيد لبنان وسوريا في شيء بمقدار ما أنّها تصبّ في اثارة الغرائز المذهبية، علی غرار ما هو حاصل في العراق. هل الهدف الحقيقي لإيران تخريب المجتمعات العربية والقضاء علی ما بقي من أمن عربي؟ المؤسف أن من يتمعّن في ممارسات طهران لا يری غير ذلک… لا يری غير رغبة في إطالة حرب النظام السوري علی شعبه للتأکد من أنّه لن تقوم لسوريا قيامة يوما!

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى