العالم العربي

استثمارات النظام الإيراني في سوريا وأهمية “القلق الأميرکي”

 

 12/10/2017

مع بروز ملامح العودة التدريجية لمسيرة الهدوء في سورية تحت مظلة النفوذ الروسي، تمهيداً لإيجاد الحل السياسي والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار. ومع بدء موسم تقاسم مناطق النفوذ والمصالح، تکثف إيران جهودها للحصول علی أکبر حصة من خلال «تعاونها الاستراتيجي» مع النظام، والذي يضمن مصالحها الاقتصادية لفترة طويلة تزيد علی 50 سنة، بموجب اتفاقات موثقة ومبرمة بين دمشق وطهران. وهي تستعجل الخطوات التنفيذية لتقوية نفوذها السياسي والعسکري والاقتصادي، وحتی الاجتماعي «الديموغرافي»، ودعم استثماراتها وتنويعها، انسجاماً مع إدراکها أن روسيا قد تسير نحو صفقة إقليمية دولية تؤدي الی إنهاء هذا النظام ورئيسه بشار الأسد، علی حساب مصالحها.

لافت في هذا المجال، أن طهران لم تهتم للقلق الأميرکي الذي أبداه رئيس الأرکان جوزيف دانفورد، تعليقاً علی إعلان إيران أخيراً أنها تعتزم إنشاء مصفاة نفط کبری قرب مدينة حمص في وسط سورية، ومحذراً من «زيادة نشاطات ايران في سورية»، في وقت تطالب واشنطن باستمرار، بإنهاء الوجود الإيراني في هذا البلد.

ويؤکد مدير تقنيات المصب في معهد بحوث صناعة النفط الايراني أکبر زمانيان، أن المصفاة ستقوم بتکرير 140 الف برميل يومياً من النفط السوري الخفيف والثقيل، وسيتم تشييدها بمشارکة کونسورتيوم بين إيران وفنزويلا، إضافة الی سورية.

ويأتي هذا الاستثمار في إطار اتفاق بين البلدين يشمل قطاع الطاقة، وتقوم بموجبه إيران بإعادة بناء وتجهيز مصفاتي حمص وبانياس اللتين کانتا تعملان قبل الحرب، ويکفي إنتاجهما حاجات سورية الاستهلاکية. کذلک حصلت إيران علی ترخيص باستثمار نحو خمسة آلاف هکتار لإنشاء مرافئ وخزانات للنفط في الساحل السوري، إضافة الی تعاون في استثمار مشاريع الکهرباء بإنشاء محطات توليد ومجموعات غازية علی الساحل، وإعادة تأهيل محطات في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس. وأعطی النظام إيران حق استثمار مناجم الفوسفات في ريف حمص، وهو يعتبر من أکبر حقول الفوسفات في العالم.

أما في قطاع الاتصالات، فتستعد طهران لاستثمار مشغل ثالث للخليوي، الی جانب شرکتي «سيرتيل» و «إم تي في» اللتين يمتلک رامي مخلوف معظم أسهمهما، ويبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، علی أن تکون حصة الجانب السوري فقط 20 في المئة، في مقابل 80 في المئة لشرکة إيرانية.

إضافة الی ذلک، هناک استثمارات زراعية لإيران في مساحات کبيرة لا تقل عن خمسة آلاف هکتار، ولکن يبقی الاستثمار العقاري أهم الاستثمارات الإيرانية في سورية وأکثرهم ربحاً فضلاً عن ضمان الملکية في الدوائر الرسمية، بتشجيع ودعم من الحکومة الإيرانية، وتسهيلات من الحکومة السورية.

وقد توافرت للإيرانيين مناقصات حکومية مفتوحة فقط لهم في مناطق متعددة، فضلاً عن أحياء سکنية مدمرة اشتروها لإعادة إعمارها، وأحياء أخری تم ابتزاز سکانها، وإجبارهم علی التخلي عن مساکنهم، في مقابل مبالغ مالية زهيدة، وقامت الحکومة الإيرانية بدور کبير، بتشجيع الشرکات والتجار والمقاولين علی تملک العقارات المختلفة في سورية، وجندت شبکة ضخمة من المؤسسات والسماسرة، وضخت ملايين الدولارات لتحقيق أهدافها، حتی أنها وفرت لرجال الأعمال والمستثمرين «اعتمادات خطوط ائتمان» بمبالغ کبيرة بالعملات الأجنبية لاستثمارها في هذا القطاع.

أما الحکومة السورية فقد أصدرت عام 2013 القانون رقم 25 الذي سمح بتبليغ المدعی عليه بالدعوی غيابياً، من طريق الصحف في المناطق الساخنة، خصوصاً بالنسبة للمدينين المتعثرين لدی المصارف الذين تطرح أملاکهم للبيع بالمزاد العلني. والأمر هنا متاح للمشترين الإيرانيين لأنهم يملکون المال، بينما يعاني معظم رجال الأعمال السوريين من أزمات مالية بسبب خسائرهم نتيجة الحرب، حتی أن تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، ساهم في إجبار السوريين علی بيع عقاراتهم أمام إغرائهم بالمال من المستثمرين الإيرانيين.

لا شک في أن کل هذه التطورات ساهمت في إحداث تغيير ديموغرافي لمصلحة المستوطن الإيراني، في ظل حملة تجنيس شملت عدداً لا يقل عن 45 ألف إيراني (وفقاً لمعلومات رئيس تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل)، إضافة الی عدد من اللبنانيين والعراقيين.

وهکذا، يشتري الإيرانيون نفوذهم في سورية، مدعوماً بقوات عسکرية وميليشيات متعددة ومتنوعة. وقد خضعت الحکومة السورية لشروط إيران الاستثمارية، بعدما عجزت عن دفع الديون المترتبة عليها، والمقدرة بنحو 35 بليون دولار (وفقاً لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نقلاً عن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا)، ومن أهم شروطها «هيمنة إيرانية کاملة علی آلية صنع القرار في دمشق.

وإذا کانت الحکومة السورية وقعت اتفاقات تسمح ببقاء روسيا مدة 50 سنة وربما تمتد الی 100 سنة، فإن مدة الاستثمارات الإيرانية أقل من ذلک، مع العلم أن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري أديب ميالة حددها بـ25 سنة، «علی أن تعود ملکية جميع الاستثمارات بعدها الی الدولة السورية». ولکن لا بد من الإشارة الی وجود بعض الاختراقات في الاستثمارات «جغرافياً» بين الجانبين سواء کان ذلک في الساحل السوري، أو في مناطق البادية شرقي مدينة حمص.

فهل يستمر القلق الأميرکي مع تنفيذ «خريطة لافروف» التي أعادت تعريف الاستقرار في سورية علی أساس توزيع الحصص؟ وهل تستطيع «استراتيجية واشنطن» احتواء النفوذ في سورية والعراق واليمن لوضع حد للتدخل الإيراني؟ ربما الجواب مرهون بنتائج الصفقة الدولية المرتقبة بين روسيا والولايات المتحدة بإنجاز الحل السياسي للأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى