العالم العربيمقالات

بين أستانة وجنيف

 

 

الإتحاد الاماراتية
12/5/2017
 
بقلم:رياض نعسان آغا

 

 لم تقبل أکثرية السوريين اتفاقية أستانة التي طرحت تخفيف التوتر، لأن السوريين جميعاً ينتظرون وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وهذا ما نصت عليه القرارات الدولية بوصفه أحد بنود بناء الثقة التي ينبغي أن تستند إليها مفاوضات جنيف،
ولم تکن ثمة حاجة لاتفاقيات جديدة فهناک اتفاقيات سابقة لم ينفذها الروس إحداها اتفاقية وقف الأعمال العدائية الموقعة مع الولايات المتحدة، وکذلک اتفاقا أستانة 1 و2 اللذان بحثا آليات مراقبة وقف إطلاق النار، وباءت کل هذه الاتفاقيات بالفشل لأن من وقع عليها سارع إلی اختراقها، وکان من المفارقات أن يسارع النظام إلی خرق اتفاق أستانة الأخير لحظة دخوله حيز التنفيذ في هجوم علی ريف حمص وحماة.
ويعلم الروس أن فقدان الثقة هو الذي يجعل السوريين يعيشون حالة الريبة والشک والقلق من أية مبادرة يحملها لهم داعمو النظام، وقد کان مثيراً أن تسمی إيران ضامناً وهي الدولة التي تحتل سوريا وتفتک بالسوريين، کما أن موقف روسيا التي تحلق طائراتها في سماء سوريا لا يقنع السوريين بکونها راعية جادة للسلام ما لم تغير سياستها وتتحول إلی موقف محايد علی الأقل.
وقد رأی السوريون في اتفاق أستانة ملامح خطة لتقسيم سوريا إلی مناطق نفوذ، وإلی خلق واقع جديد تترسخ فيه حدود جغرافية بين المحافظات. وإلی خطة تجعل هذه المناطق التي يضمنها الإيرانيون والروس مناطق يحکمها النظام، حيث تريد روسيا أن تصنع بيئة جديدة تسهل عملية المصالحات التي يعتبرها النظام حلاً وحيداً يستسلم الشعب فيه للاستبداد مذعناً. ويعلن انتهاء الثورة عبر کبح جماح الفصائل المعارضة المعتدلة التي قد يطلب منها لاحقاً مشارکة النظام في محاربة الإرهاب، ومن يرفض يعتبر إرهابياً، ثم يتم تشکيل مجالس حکم محلي يسيطر عليها الموالون للنظام ويمکن أن يعرض لاحقاً إنشاء مجلس عسکري مشترک يضم بعض المعارضات عبر ترهيب أو ترغيب! وهذه الخطة المحتملة (المنسجمة مع رؤية روسيا لدستور سوري مناطقي وطائفي) تحل محل مفاوضات جنيف وتلغي الحاجة إليها، وتحيل الملف کله إلی أستانة برعاية روسية إيرانية، مستغلة الظرف الترکي الراهن الذي يواجه خطر قيام دويلة کردية علی الحدود الجنوبية لترکيا قابلة للتوسع.
وقد جاء الرفض لاتفاقية أستانة فور توقيعها من الفصائل العسکرية التي دعيت واستنکرت أن تکون إيران ضامناً وهي الدولة المعتدية، وأصدرت قوی الثورة (الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات) بيانات تعبر فيها عن رفضها لهذا الاتفاق المشبوه الذي يستبعد دور الأمم المتحدة، ويستبق رؤية الولايات المتحدة التي يترقب الجميع ظهورها، وقد عبرت الهيئة العليا للمفاوضات عن رفضها لأي مساس بوحدة سوريا أرضاً وشعباً، وحذرت من أي تفسير للاتفاقية حول ما سمي مناطق «خفض التصعيد» يجعلها بداية لتمرير مشروع تقسيم لسوريا، ورأت في هذا الاتفاق غموضاً حتی في المصطلحات التي تم استخدامها.
وقد أکدت المعارضة حرصها علی وقف إطلاق النار، وعلی نشر الأمن في کل أرجاء سوريا، مطالبة بما أقره مجلس الأمن في القرار 2254 في مواده الشهيرة التي تعتبر وقف إطلاق النار وفک الحصار وإطلاق سراح المعتقلين ووصول المساعدات الإنسانية إلی المحتاجين إليها حقوقاً تسبق التفاوض وتؤسس له.
کما رفضت المعارضة أي دور أو حضور للنظام في المناطق التي يشملها الاتفاق، فلن تمنحه قوی الثورة والمعارضة المسلحة عبر اتفاقيات من طرف واحد ما عجز عن الحصول عليه في الواقع.
ونستغرب أن تخلو مناقشات أستانة من أية إشارة لجرائم النظام باستخدام الأسلحة الکيماوية مع أن المؤتمر ينعقد فور ظهور تقرير منظمة هيومان «رايتس ووتش» الذي قدم الأدلة علی استخدام النظام السلاح الکيماوي، ولا نستبعد إزاء هذا التغاضي أن يقوم النظام مرة أخری باستخدام السلاح الکيماوي ضد الشعب السوري ما دام يری تهاوناً دولياً في محاسبته.
ونری دعوة دي مستورا السريعة إلی جولة جديدة من المفاوضات في جنيف تأکيداً علی رعاية الأمم المتحدة وأصدقاء سوريا للعملية السياسية، ومع أننا نفهم أن هذه الجولة لن تحقق الأهداف المرجوة، إلا أن استمرار التفاوض هو رد علی من يريدون نسف أسس العملية السياسية من أساسها، ومن ألمحوا إلی أن أستانة هي بديل لجنيف.
ونأمل أن نجد في جولة جنيف السادسة دعماً دولياً جاداً لمناقشة موضوع الانتقال السياسي، وهو جوهر الحل السياسي الذي لن يتحقق ما لم يحدث توازن دولي في دعم المفاوضات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى