أخبار العالممقالات

ليس للأسد إلا إيران


الشرق الاوسط
30/06/2012

 

طارق الحميد


أول أيام الثورة السورية قال بشار الأسد لأحد زواره من المسؤولين العرب إنه أيقن أن من يجلس علی کرسي الحکم في دمشق لا يمکن له أن يکون وثيق الصلة بإيران وبعيدا عن محيطه العربي، ولذا يلاحظ ندرة استقبال الأسد علنا لمسؤولين إيرانيين، لکن اليوم، وبعد قرابة ستة عشر شهرا من عمر الثورة السورية نجد أن الأسد يعطي حوارا مطولا للتلفزيون الرسمي الإيراني!
ومعنی هذا أن الأسد بات يشعر بحرج موقفه، وموقف نظامه، خصوصا أن حديثه للتلفزيون الرسمي الإيراني يأتي في توقيت نجد فيه أن المجتمع الدولي بات بنقاش محموم الآن حول انتقال السلطة بسوريا، وسواء فشل الأمر أم نجح، فالأهم أن الحديث لم يعد حول إعطاء فرص جديدة للأسد، وإنما کيفية التخلص منه. کما يأتي حديثه للتلفزيون الإيراني الرسمي في وقت نلمس فيه تطورا نوعيا ملحوظا بطبيعة عمل الجيش السوري الحر ميدانيا، سواء اعتقال ضابطين کبيرين من ضباط نظام الطاغية، أو نوعية الهجمات علی القوات الأسدية، ناهيک عن تزايد وتيرة الانشقاقات العسکرية بصفوف قوات الطاغية، وعلی أعلی الرتب. وبالطبع يأتي حديث الأسد للتلفزيون الإيراني في الوقت الذي تتحرک فيه القوات الترکية تجاه الحدود مع سوريا، وکل ذلک يعني أن طاغية دمشق يدرک أن ملاذه الأخير هو إيران، وليس أحدا آخر، بمن فيهم السوريون، فالأسد لم يوجه حديثه للسوريين من خلال إعلامه الرسمي، أو للعرب من خلال الإعلام العربي، أو الغرب من خلال الإعلام الغربي، بل عبر الإعلام الإيراني الرسمي!
حديث الأسد ليس دليلا علی استشعاره لمرحلة الخطر وحسب، لکنه دليل علی أنه لا يزال يمارس غروره المعتاد، ويستخدم أساليب الأمس لحل أزمة اليوم، فهو يتحدث عما يدور في سوريا وکأنه يتحدث عن إدارة أزمة بلبنان، کما تعود! فالأسد يقول، مثلا: ليس کل الحکومة الترکية ضده. وهذا ما کان يقوله دائما عن السعودية بالحالة اللبنانية، حيث يقسم السعودية إلی أجنحة وتوجهات، مما يعني أن الرجل لم يستوعب أي درس من الثورة الدائرة بسوريا.
والحقيقة أن واقع الحال في سوريا اليوم يقول إن الأسد، وإن مارس المماطلة والتسويف، فإنه بات يدرک خطورة الأوضاع بالنسبة لحکمه، وها هو يلجأ للإيرانيين، وفي الوقت الذي نجد فيه أن کثرا من ضباطه باتوا يعتبرون التحرک العسکري الترکي، والحديث الدولي عن انتقال السلطة بدمشق، وکذلک التطور النوعي لعمليات الجيش الحر، بمثابة المؤشر علی قرب تداعي نظام الأسد مما سارع من وتيرة الانشقاقات العسکرية، وهذا بالطبع يثبت ما کنا نقوله، وقاله غيرنا، بأنه بمجرد فرض مناطق عازلة أو آمنة علی الحدود الترکية السورية، أو الحدود الأردنية السورية، فإن من شأن ذلک أن يعجّل بانهيار نظام الطاغية بدمشق، وهو أمر ممکن، بل إن الجيش الحر بات يکرسه يوميا، خصوصا ونحن نری قدرة الأسد تتداعی بالسيطرة علی کامل الأراضي السورية، فها هو برهان غليون يظهر من داخل سوريا، بينما الجيش الحر يتحرک بحرية في کثير من الأراضي السورية. والأهم من کل هذا هو أن الأسد بات يلجأ للإيرانيين علنا، حيث لم يبق له إلا طهران!

 

زر الذهاب إلى الأعلى