مقالات

الأسدنة.. سرطان سياسي-حسين شبکشي!


الشرق الاوسط
17/1/2013


بقلم: حسين شبکشي


 لا تزال أصداء الاعتداء المجرم من قبل قوات بشار الأسد بطائرات «الميج» علی حرم جامعة حلب وقذفها بالصواريخ تلقی الاستهجان والتندر، وهو الاعتداء الذي أودی بحياة أکثر من 200 ضحية في مشهد فيه فصل جديد من أحوال الرعب والموت التي يمارسها هذا النظام المجرم في حق شعبه.
مسلسل القتل والتدمير والتخريب مستمر في سوريا بشتی الوسائل والطرق والأساليب. حلب تتعرض لحملة منظمة من الإبادة بحق کل رموزها المدنية والحضارية. سوق المدينة العريقة الحاملة للإرث المملوکي والعثماني الجميل والتي کانت تعتبر أهم وأکبر سوق مسقوفة في التاريخ تعرضت لحريق هائل أودی بالمحال التاريخية فيه جراء قصف النظام له، وکذلک حصل بالنسبة للجامع الأموي الکبير في المدينة الذي حرق ونهب وأتلف بشکل متعمد، وطبعا حصل نفس الشيء بالنسبة لرمز المدينة الأشهر؛ قلعة حلب الشامخة التاريخية.
واليوم ها هو يعتدي ويدمر جامعة حلب؛ إحدی أهم وأعرق الجامعات العربية، تلک الجامعة التاريخية التي کانت مؤسسة قبلما تلوث سوريا بنظام بشار الأسد ووالده وحزب البعث. استهداف جامعة حلب وکلية العمارة العريقة فيها وکأن المقصود به رسالة مبطنة ولکنها واضحة جدا إلی کل من يريد إعادة إعمار سوريا في المستقبل، فالنظام ليس فقط يدمرها ويبيدها، ولکنه يدمر ويبيد کل من يفکر أو يکون جزءا من فکرة إعادة إعمار سوريا مستقبلا.
حذر علماء السياسة ومتابعوها ومحللوها من خطورة الوضع في الداخل السوري والخوف الشديد جدا من تطور الأوضاع وتدهورها، ووصفوا الوضع بأنه «صوملة» أو «لبننة» أو «عرقنة»، في إشارة إلی تدهور أوضاع دول عربية مختلفة عانت ويلات التفتت والاقتتال الداخلي البشع فيما بينها، وانقلبت إلی فرق ومجاميع متقاتلة، دول کالصومال ولبنان والعراق باتت أمثلة مخيفة للانهيار والاقتتال البيني والثمن الباهظ لکل ذلک الأمر. ولکن ما يحدث في سوريا اليوم هو ظاهرة سيسجلها التاريخ السياسي ويحللها لاحقا، هي ظاهرة من الممکن أن يطلق عليه «الأسدنة»، وهي تتعلق بفکرة «إبادة» شعبک حتی يحکمک، وترويج فکرة أن العالم يتآمر عليک لأنک صاحب مبدأ ومقاوم، وتکرار تلک الأسطوانة المشروخة المرة تلو الأخری لمحاولة «إقناع» العامة بتلک الفکرة من باب الخوف أو الاستسلام.
الأسدنة ستکون حالة سياسية تدرس وتراجع بدقة، وسيجتمع علی مراجعتها علماء النفس ليستوعبوا حالة الذعر والخوف التي زرعها النظام في نفوس شعبه عبر عقود من الزمن، ومن خلال أدوات الذل والإجرام والمهانة، وکذلک سيدرسها علماء الاجتماع في کيفية تکوين النظام لطبقات حاقدة علی بعضها البعض، وتکوين نفوس مليئة لا تثق بالآخر، ولا تأتمن له، ولا تعمل معه، ولا تعتمد عليه، وسيدرسها علماء الاقتصاد في کيفية تمکن النظام من القضاء علی روح المبادرة والإقدام التي عرف عنها الاقتصادي السوري تقليديا وأجبر علی الهجرة وترک البلاد وتم إشغاله بنفسه وإغراقه بالديون الهائلة عبر مسلسلات هزلية من الإخفاق الاقتصادي والتجارب الاقتصادية التي أنهکت البلاد والشعب بشکل مذل ومهين.
المسألة مستمرة ولم تنته بشتی صورها، وستستمر الظاهرة الأسدية حتی الرمق الأخير، فالنظام الذي جاء علی حصان الکذب وتحت ستار الخيانة لم يقتنع هو شخصيا بکل شعارات العروبة والمقاومة والاشتراکية والوحدة التي کان يرفعها، ومارس فعليا وعمليا عکس بشکل مقنن ومستمر ومتواصل، وبالتالي اليوم وهو يواجه «شعبه» في معرکة البقاء والخلاص لم يعد هناک مکان للخجل ولا حتی لأنصاف الکذبات، فالقناع سقط تماما وظهر الوجه الحقيقي.
بشار الأسد الذي جاء للحکم في حفلة تنکرية لبرلمان مجلس الشعب السوري وتم فيها «سلق» الدستور وتفصيله علی مقاس الابن في مشهد کوميدي ساخر لمحاولة إقناع العالم بأن الاختيار کان «ديمقراطيا»، علما بأن بشار الأسد نفسه لم يکن خيار الأب حافظ الأول، وإنما جاء احتياطيا بعد مصرع شقيقه الأکبر باسل الأسد في حادث سيارة غامض، واستقبله الناس بعبارات مبسطة مثل «دکتور حباب» و«بيفهم بالإنترنت»، وهي عبارات أطلقت لإشغال الناس عن استمرار مسلسل «الأسدنة» البغيض الذي أوصل سوريا العظيمة للحال الحزين الذي وصلت إليه اليوم.
قتل في الناس الأمل، ولد الشک والخوف بينهم وبين بعض، أخرجهم من أبواب الکرامة وجردهم من الحرية، فلم يعد أمامهم سوی المطالبة بها والخروج علنا وعيانا. العالم يخون ثوار سوريا ويمنع عن جيشها الحر السلاح والمعلومة، ويتدخلون في مالي فورا لإنقاذ «الوضع»، بينما سوريا وشعبها يئنون جرحی وصرعی وقتلی لأکثر من سنتين، إنه النفاق السياسي المعيب.
الأسدنة هي سرطان سياسي ابتلي به العالم العربي، مثله مثل إسرائيل تماما، ولا بد من الخلاص منه، والأسد مجرم لا يفوقه في الإجرام إلا من يؤيده ويبرر له.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى