أخبار إيرانمقالات

ثورة الخميني وقراءة الاستخبارات

 

 

 

الشرق الاوسط
9/2/2017
 
بقلم: عبد الرحمن الراشد

 

قرأت بعض ما تنشره «الشرق الأوسط» عن الوثائق التي أفرجت عنها الاستخبارات الأميرکية للفترة التي صاحبت الثورة الإيرانية أواخر السبعينات، وهي فترة تاريخية مضطربة، ومحل جدل أکاديمي مستمر. وتقريبًا، فإن معظم ما نراه اليوم من أحداث سياسية من صعود للتطرف الإسلامي إقليميًا ودوليًا، والصراع الطائفي، والحروب الإقليمية الکبری، وفشل مشاريع السلام، وجهود التسلّح النوعي مثل النووي والکيماوي، مرتبطة بذلک الحدث، وبذلک العام 1979.
لم أجد في القليل من الوثائق، الذي اختارته الصحيفة، ما يعين علی تتبع وفهم الأحداث من داخل هذه المؤسسة الأمنية السياسية، التي يفترض أنها کانت علی علاقة جيدة بحکومة الشاه. تقديرات وکالة الـ«سي آي إيه» ليست خاطئة بخلاف ما قيل من حيث فهم تکتيک النظام الجديد في طهران. تنبأ محللو الوکالة بعد صعود الخميني واندلاع الحرب مع العراق بعد عام واحد، أن يلجأ إلی استخدام سلاح الدين، وتحديدًا الطائفية. وجاء في تنبؤات الاستخبارات أن يعمد آية الله الخميني إلی تحريض شعوب المنطقة ضد أنظمتها مستخدمًا الشعارات الدينية. وقدروا أن ينجح في استنهاض الروح الطائفية في العراق، وأن يفشل في السعودية وبقية دول الخليج.
وعند مراجعة سنوات الحرب الثماني لا نستطيع أن نقلل من الجهد الدعائي الکبير الذي قادته حکومة صدام حسين لوقف تسلل التحريض الإيراني الطائفي الذي رکز علی تصويرها حربًا شيعية سنية. بغداد من جانبها صورتها علی أنها حرب قومية بين العرب والفرس. وتقديرات الـ«سي آي إيه» کانت خاطئة في توقيت وقف الحرب لسبب واضح؛ وهو أن قرارها کان بيد الخميني الذي أصر علی استمرار القتال ثلاث سنوات رغم الفشل، معتقدًا أن ثورة شعبية قد تقلب ميزان الحرب لصالحه في العراق.
ومن الجوانب التي لم أجد لها أثرًا، سواء في ما تم الإفساح عنه من تحليلات أو مراسلات سرية عن تلک الفترة، أو حتی ما نشر في الإعلام والدوريات المتخصصة، هو الوعي بالخطر الذي يمکن أن تسببه الثورة الدينية المتطرفة في إيران علی المنطقة والعالم، ربما بسبب هيمنة الخطابين القومي واليساري آنذاک، بل إن رحلة مستشار الأمن القومي الأميرکي زبيغنيو بريجنسکي الشهيرة إلی باکستان، معتمدًا سياسة الحرب الدينية الإسلامية الجهادية في تحرير أفغانستان، إلی جانب الأسلحة النوعية ضد قوات «الاتحاد السوفياتي الملحد»، ونجم عن حرب العشر سنوات، تحرير أفغانستان ومقتل أکثر من 15 ألفًا من القوات السوفياتية وحلفائها، وإسقاط أکثر من أربعمائة طائرة سوفياتية.
ولا يمکن تجاهل العلاقة بين ثورة الخميني وحرب أفغانستان، ولا بد أن راسمي السياسة في واشنطن کانوا وقت سقوط الشاه قد فضلوا القبول بصعود الخميني الديني علی حساب الأحزاب اليسارية التي کان لها دور فعال في اندلاع الثورة الإيرانية. لکن لا يوجد ما يدل علی أن أحدًا في ذلک الوقت تنبأ بما سيحدث للمنطقة بعد صعود الخميني والتبدل الذي سيطرأ علی الآيديولوجيات السائدة في المنطقة، خاصة مع اضمحلال اليسار بسقوط المعسکر السوفياتي. النظام الإيراني الجديد حينها استخدم الشعارات الدينية، وتحديدًا الإسلام، ولاحقًا اختصرها علی مشروعه الطائفي، ونجح في استخدامها سياسيًا في لبنان وفلسطين، والعراق لاحقًا. وهي التي دمرت المنطقة خلال أکثر من ثلاثة عقود ولا تزال تمثل أکبر خطر علی المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى