المشکلة مع إيران ليست في ملفّها النووي

 



العربية.نت
22/5/2015


 



أن يلتزم الرئيس باراک اوباما أمن الدول العربية في الخليج، أمر أکثر من جيّد. ما هو جيّد أکثر من ذلک، حديث الرئيس الأميرکي عن ضرورة مساهمة الاتفاق النووي مع ايران في دعم الاستقرار في المنطقة. هل هذا ممکن في ضوء النهج الإيراني الذي يقوم علی استخدام امکانات البلد من أجل خلق توترات في دول المنطقة لا أکثر؟
من ايجابيات قمّة کامب ديفيد، التي ضمت قادة من دول مجلس التعاون والرئيس الأميرکي، الکلام الصريح عن السياسة الإيرانية في المنطقة. کلّ ما صدر عن القمّة يتعارض، نظريا وهذه السياسة. ايران تعارض حلا سياسيا في اليمن. وايران تعترض علی انتهاء دور بشّار الأسد. وايران تعتبر أن عرقلة إنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ورقة من الأوراق التي تفيدها في المفاوضات المرتبطة بملفّها النووي، وذلک بغض النظر عمّا يعاني منه لبنان الذي لا يزال من دون رأس منذ سنة. فوق ذلک کلّه، تتصرّف ايران من منطلق أن العراق مستعمرة من مستعمراتها وأنّها صاحبة القرار في بغداد.
لا يمکن أن يکون هناک أي اعتراض عربي أو خليجي علی اتفاق في شأن الملفّ النووي بين المجتمع الدولي، علی رأسه الولايات المتحدة، من جهة وايران من جهة أخری.
في النهاية، ماذا تستطيع ايران أن تفعل في حال حصولها علی السلاح النووي. هل المشکلة في الملفّ النووي الإيراني، أم في ما تعتبره طهران حقّا من حقوقها. يتمثّل هذا الحق القائم علی وهم، أکثر من أي شيء آخر في لعب ايران دور القوة الإقليمية المهيمنة. إنّها القوة القادرة علی الإستثمار، إلی أبعد حدود، في الغرائز المذهبية.
کانت «عاصفة الحزم» الدليل الثالث علی أن المجموعة العربية لا يمکن أن تقبل بفرض أمر واقع عليها. کان الدليل الأوّل التدخل العربي في البحرين لمنع ايران من وضع يدها علی المملکة الصغيرة عن طريق الغرائز المذهبية. کان الوقوف مع ثورة الشعب المصري الذي اسقط حکم الإخوان المسلمين المدعوم اميرکيا وايرانيا الدليل الثاني علی وجود ارادة مستقلّة تأخذ في الإعتبار المصالح العربية أوّلا. هناک رغبة عربية في إعادة التوازن إلی الإقليم. وهذا أمر يستوجب أوّل ما يستوجب إنقاذ مصر من محنتها بدءا بمساعدتها في التخلّص من نظام الإخوان.
بعد ذلک، جاءت «عاصفة الحزم». لولا «عاصفة الحزم»، لما کانت الإدارة الأميرکية ادرکت أنّه ما زال للعرب وزن في المنطقة وأن لديهم کلمة يقولونها. الأهمّ من ذلک، أکّدت المملکة العربية السعودية بقيادة الملک سلمان أن السيطرة الإيرانية علی اليمن، عبر الحوثيين (انصار الله) ليست قدرا…لا مفر من الاستسلام له.
سعی باراک اوباما إلی رمي الکرة في الملعب العربي. من حقه التحذير من أن هناک مشاکل داخلية لدی الدول العربية. هذا واقع لا يمکن تجاوزه. ولکن هل صحيح أن العرب لم يفعلوا شيئا من أجل مواجهة هذه المشاکل المعترف بها؟ ليس ذلک صحيحا في أي شکل. کلّ الدول العربية المعنية بکلام اوباما أقدمت علی اصلاحات معيّنة في مجالات محددة، بما في ذلک التصدي لظاهرة التطرّف والإرهاب. أکثر من ذلک، هناک دول عربية عملت علی تصحيح البرامج التربوية بما يتلاءم وثقافة الانفتاح بعيدا عن أي تزمت من أي نوع کان. ليست الدول الخليجية وحدها التي تصدّت للإرهاب. لا يمکن في أي شکل تجاهل ما بذله المغرب من أجل نشر الاعتدال في الداخل وفي الجوار. کان الملک محمّد السادس سباقا في الدعوة إلی الاعتدال والابتعاد عن أي غلوّ.
کذلک، لا يمکن تجاهل ما فعله الأردن في هذا المجال. هناک سلسلة مبادرات وقف خلفها الملک عبدالله الثاني، بدءا بـ»نداء عمّان» من أجل تأکيد أن الإسلام دين تسامح واعتراف بالآخر، کما هو دين حوار مع بقية الأديان.
من قصّر في کلّ المجالات التي تساعد في نجاح الحرب علی الإرهاب کانت الإدارة الأميرکية في عهد جورج بوش الإبن وباراک أوباما. رفضت ادارة بوش الاعتراف بأنّها سلّمت العراق علی صحن من فضّة إلی ايران التي زادت شهيتها في المنطقة واستخدمت الملفّ النووي لتغطية سياساتها التوسّعية.
لم يقدم بوش علی أيّ خطوة يفهم منها أن هناک استيعابا للخطر الإيراني الذي زاد وتمدّد في کلّ الاتجاهات، بما في ذلک لبنان، بعد کلّ ما حصل في العراق ابتداء من العام 2003.
أمّا باراک اوباما، فلم يکتف بالتفرّج علی ايران تملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب العسکري الأميرکي من العراق، بل نراه يکاد يصفّق للمسؤولين الإيرانيين المتباهين بأنهم صاروا يحتلون اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
لم يظهر اوباما يوما أيّ جدّية من أي نوع في التعاطي مع النظام السوري الذي أخذ علی عاتقه، بدعم ايراني مکشوف، القضاء علی شعبه بکلّ الوسائل الممکنة، بما في ذلک السلاح الکيميائي.
الجدّية الوحيدة التي اظهرها اوباما هي في التعاطي مع ايران والرکض خلفها من أجل توقيع اتفاق نووي لا يهمّ في واقع الحال سوی اسرائيل. کلّ ما تبقی ليس هموما اميرکية، بما في ذلک ظهور «داعش» الذي هو نتيجة من نتائج السياسة الإيرانية في المنطقة، خصوصا في سوريا والعراق.
علی الرغم من کلّ ذلک، ليس امام العرب، خصوصا دول مجلس التعاون، سوی التعاطي بايجابية مع الطرح الأميرکي الذي لم يصل إلی حدّ توقيع معاهدة دفاع مع الأطراف المعنية بالتهديدات الإيرانية. مثل هذا التعاطي الإيجابي لا يعني في أي شکل التخلي عن الحذر. فالحذر واجب ضروري مع ادارة لا تستطيع الإجابة عن سؤال في غاية البساطة. ما الذي ستفعله ايران بالمبالغ المالية الضخمة التي يمکن أن تحصل عليها في حال توقيع اتفاق في شأن ملفّها النووي ومباشرة رفع العقوبات الدولية عنها؟
هل ستستخدم مليارات الدولارات التي ستحصل عليها من أجل مکافحة الفقر في ايران…أم ستستثمرها في مجال تأجيج الصراع المذهبي في دول المنطقة؟
ليس في استطاعة الإدارة الأميرکية الحالية الإجابة عن مثل هذا السؤال. هذا عائد إلی سببين. الأوّل أن أوباما يعتبر التقارب مع ايران هدفا بحدّ ذاته، من دون أخذ في الاعتبار الهموم العربية والاستقرار في الشرق الأوسط.
السبب الآخر أنّ الإدارة الأميرکية لا تعرف ايران. لا تعرف ولا تريد أن تعرف شيئا عن الدور السلبي لإيران في المنطقة کلّها… ربّما تعرف، کما يقول بعضهم، عن هذا الدور. تعرف أکثر من اللزوم وتريد ترک الشرق الأوسط اسير صراعاته بغض النظر عن الذي يغذّيها من طهران!

زر الذهاب إلى الأعلى