أخبار إيرانمقالات

«توماهوک» استهدفت سوريا لتفهم إيران

 


الشرق الاوسط اللندنية
20/4/2017
 
بقلم: هدی الحسيني


أحداث وتطورات متلاحقة علی جبهة الشرق الأوسط المستعرة. قبل بضعة أشهر، کان الرأي العام التقليدي أن الظروف کلها تعمل لصالح إيران، وکانت إيران تضاعف نفوذها من خلال مشارکتها المباشرة وغير المباشرة في أزمات المنطقة، مدعومة بتخفيف العقوبات الدولية من دون أي شروط «مسلکية» عليها. لکن الصورة اليوم لم تعد بذلک الوضوح، مع الاتجاهات الإقليمية الطارئة التي تشمل روسيا والإدارة الجديدة في واشنطن ومواقف عربية جريئة.
الجغرافيا السياسية في المنطقة تتحرک بسرعة. حصل تعاون حول سوريا بين روسيا وترکيا، واجتمع جنرالات أميرکيون وروس وأتراک في جنوب ترکيا لتجنب صدام عسکري أثناء مواجهة «داعش»، ثم تصاعد نجم حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، وتردد أن قوات أميرکية في العراق بدأت بنشر نقاط استطلاع علی جزء واسع من الحدود العراقية – الإيرانية، وانطلقت أصوات عراقية تهتف: «إيران برا برا»، لذلک يمکن ملاحظة أن إيران تفقد الأرض، ولم تعد قادرة علی وضع أو عرقلة جداول الأعمال، کأقرانها أو منافسيها الذين يعملون أيضاً لحماية مصالحهم الأساسية. هناک من قال إنه کان لإيران دور في القصف الکيماوي في سوريا، وإن أکثر من 20 إيرانياً قتلوا في القصف الأميرکي علی قاعدة «الشعيرات» السورية.
تشعر إيران بالقلق من الموقف الروسي، حيث انتقلت الشراکة بينهما من مستوی التحالف إلی حالة أقل استقراراً. عندما تدخلت روسيا عام 2015 في سوريا، کانت واضحة برسالتها؛ إن دعم إيران لنظام بشار الأسد لم يحقق أهدافه. ثم تحولت موسکو إلی أنقرة، باعتبارها أکثر فائدة، لتعود وتمسک وحدها بزمام الأمور، بعدما تأکدت أن الأتراک ليس لديهم ما يکفي من النفوذ علی القوات السورية المناهضة للأسد، ثم جاءت الضربة الکيماوية، ولحقتها الغارة الأميرکية.
لاحظت إيران خلال هذه الفترة تناقص قيمة التعاون الخاص بينها وبين روسيا، فانعکس ذلک علی استراتيجيتها الخاصة بسوريا، فتوجهت إلی قطر، لتشرفا معاً علی صفقة تبادل أهالي کفريا والفوعة (شمال إدلب) بأهالي الزبداني ومضايا (شمال غربي دمشق).
هناک نقطتان بارزتان في هذا «التهجير» المؤلم: روسيا تريد سوريا غير مقسمة ودولة علمانية، وهي استثمرت کثيراً في سوريا، وتريد أن تحقق هذا الهدف بين أهداف أخری. فردت إيران بأنها تستمد قوتها من خطوط إمداداتها؛ هي تريد إضافة إلی الخطوط الجوية، تأمين خطوط برية من حدودها حتی المتوسط؛ إنها حاجة استراتيجية لإيصال السلاح إلی «حزب الله» في لبنان. من هنا، حمايتها لنظام بشار الأسد، وإسراعها والحزب عام 2011 إلی دعم النظام الذي کان مهدداً بالسقوط. وحسب التقارير، فإن من أهدافها توزيع خطوط إمدادات الطاقة، ولديها خطط لبناء خط أنابيب يمتد من الشرق إلی الغرب عبر العراق إلی الساحل السوري. ومن هنا، أتت خطة التهجير الأخيرة التي ستغير وجه سوريا.
من جهة أخری، تراقب إيران بحذر تحرک الإدارة الأميرکية الجديدة، فالرئيس دونالد ترمب، کما يبدو، مزمع علی تنفيذ تعهداته الانتخابية، بأن يکون أکثر صرامة تجاه إيران من إدارة أوباما.
مدير وکالة الاستخبارات المرکزية الأميرکية (سي آي إيه)، مايک بومبيو، قال يوم الخميس الماضي، في تصريحات لمرکز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن غارة الصواريخ علی القاعدة السورية هي رسالة إلی إيران، بأن بلاده علی استعداد للجوء إلی القوة لحماية المصالح الأميرکية.
ربط بومبيو صواريخ «توماهوک» التي أطلقت علی قاعدة جوية في سوريا، منها أقلعت الطائرات التي تحمل أسلحة کيماوية، بامتثال إيران للاتفاق الدولي النووي. قال إن وکالته تراقب عن کثب التزام إيران بالاتفاق، بما في ذلک المنشآت النووية المعلنة وغير المعلنة. وأضاف: «يجب أن نضع في اعتبارنا ما حصل في سوريا، وأن نعود ونقرأ الاتفاق، لا سيما عندما يتحدث عن المنشآت المعلنة والمرافق غير المعلنة، ومدی وصول مدققي الوکالة الدولية للطاقة الذرية إلی کل من هاتين المجموعتين المتميزتين؛ هذا قد يظهر مستوی التأکد الذي نأمل أن نقدمه إلی القائد العام»، وأوضح: «ما أعنيه أن الضربة السورية کانت عملية صنع قرار، حاسمة ومدروسة ومبنية حقاً علی فهم واقعي للأهمية الاستراتيجية للأشياء التي تواجهها أمتنا اليوم».
قال بومبيو عن الأسد: کان هناک شخص انتهک حظر استعمال الأسلحة الکيماوية، وهذا ليس مهماً. لذلک أعتقد أنه يجب علی الإيرانيين أن يأخذوا علماً بأن هذه الإدارة مستعدة للإقدام علی أنشطة مختلفة عما کانت تفعله أميرکا خلال السنوات القليلة الماضية.
وتعمل وکالة «سي آي إيه» علی متابعة ما إذا کانت إيران تنتهک الاتفاق من خلال أنشطة نووية سرية. وأضاف: «الاتفاق لم يأتِ بإيران «حميدة»، فهي ما زالت دولة ترعی الإرهاب «فيما يتعلق بالإيرانيين، ما زالوا في المسيرة نفسها، منها زيادة القدرة علی إيصال منظومات صواريخ متجهة إلی إسرائيل عبر «حزب الله»، وزادوا نشاطهم في الميليشيات الشيعية في الموصل، إضافة إلی دعمهم للحوثيين في اليمن لإطلاق الصواريخ ضد السعودية. وأضاف: إن قائمة التجاوزات الإيرانية ازدادت بشکل کبير منذ التوقيع علی الاتفاق النووي، وإيران تدعم الهلال الشيعي في الشرق الأوسط، وهذا ليس مناسباً للمصالح الأميرکية.
من جهته، کان قائد القيادة المرکزية، الجنرال جوزيف فوتيل، قد صنف إيران في المرتبة الخامسة بين أکبر 5 تهديدات في منطقة الشرق الأوسط، وقدم في التاسع من هذا الشهر بعض التفاصيل حول استراتيجية الاحتواء الأميرکية: «يجب أن نشغلهم بفعالية أکبر في (المنطقة الرمادية)، من خلال وسائل تشمل وضع ردع قوي، وبناء قدرات الدول الشريکة. ويجب أن تدرک إيران أنه ستکون هناک عواقب وخيمة، إذا ما قررت مواصلة أنشطتها الخبيثة المصممة لإثارة الاضطرابات في المنطقة». وکان لافتاً دعم الجنرال فوتيل «لاتصالات مباشرة مع القيادة الإيرانية، لتحسين الشفافية وتقليص احتمالات سوء التقدير».
في الوقت نفسه، استخدم ترمب لقاءاته مع قادة عرب وإسرائيليين لتأکيد عزمه علی تشديد التدابير الرامية لاحتواء إيران، والضغط عليها «وذلک بالاشتراک مع الأصدقاء الإقليميين». أخيراً، أقدمت إدارة ترمب علی اتخاذ عقوبات اقتصادية جديدة ضد کبار المسؤولين الإيرانيين، ونظام السجون هناک، بسبب انتهاکات حقوق الإنسان الواسعة النطاق، واستهدفت العقوبات سهراب سليماني، المسؤول عن سجن إيفين، السيئ السمعة، وهو شقيق قاسم سليماني الجنرال المسؤول عن تشغيل الأنشطة الإيرانية الإرهابية في سوريا والعراق واليمن والبحرين.
ليس من قبيل المصادفة أن سهراب سليماني هو شقيق قاسم سليماني، فالأول أدار سجناً اشتهر بعمليات الاستجواب التعسفية والقسرية، وإساءة معاملة السجناء، ونقل کثيرين منهم مباشرة إلی القبور، وإعطاء أهاليهم لاحقاً ورقة عليها رقم القبر. والثاني غني عن التعريف؛ هو لم يحسم حرباً، إنما ما زال يواصل الحرب العراقية – الإيرانية التي خسرتها إيران، عبر عمليات تعتمد علی ميليشيات أقدمت علی القتل والتدمير والتهجير.
هذه العقوبات الجديدة تعتمدها إدارة ترمب، في ظل المراجعة الحالية الواسعة النطاق لکل الأمور المتعلقة بالاتفاق النووي. وکان قد لوحظ زيادة في انتهاک حقوق الإنسان، في ظل الرئيس حسن روحاني، المنتمي إلی الجناح الإصلاحي. العقوبات الجديدة لا تتعارض مع الالتزامات الأميرکية بموجب الاتفاق النووي، ولا يتم التعامل معها کجزء من ذلک الاتفاق.
إن التحولات في ديناميکية المنطقة، التي تشمل روسيا وأميرکا، تضع إيران في موقف الدفاع. روسيا بعد القصف الکيماوي، کثفت من اتصالاتها مع السعودية، وسيزور وزير الخارجية السعودي عادل الجبير موسکو في 26 من الشهر الحالي. أما الولايات المتحدة الأميرکية، فإنها تتعلم بالفعل أن تعزيز العمليات العسکرية في اليمن وسوريا، من دون خطة للعبة سياسية مهيمنة، لا تجعل الإدارة الجديدة تبدو في موقع جيد. وفي رسالة إنذار إلی کوريا الشمالية، قال مايک بنس، نائب الرئيس الأميرکي: إن زمن «استراتيجية الصبر» ولی. وکما کانت «توماهوک» رسالة إلی إيران، کذلک تشمل تصريحات بنس إيران.. .

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى